القانون الدولي الإنساني، أزمة قيم أم أزمة ممارسة،

عبد الملك الزغدودي
عند البحث في أسس القانون الدولي الإنساني والأزمات التي يمر بها من خلال الإنتهاكات اليومية التي تمارس في حال النزاع المسلح… غزة وبقية الأراضي المحتلة نموذجا…، ذلك ما يحدث من انتهاك للأعيان المدنية والطبية، وطواقم الحماية المدنية، والصحفيين، والأفراد، والتجويع، والحصار الجماعي، والتهجير القسري… يستدعي منا التساؤل في عجز الآليات التعاهدية وغير التعاهدية للاستجابة والردع، وزجر المعتدي والضغط من أجل احترام أبسط مقومات القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان المدنية…
هنا يحق للمشاهد لنشرات الأخبار، والقارئ للصحف اليومية، تلك التي ما نفكت تعلمنا أسس وقيم التعامل أثناء حالات السلم و الحرب، أن يحاول عبثا الإجابة عن أسئلة ربما تراوده حين تصبح القيم مجرد “حبر على الورق”، وعندما يكتشف أنها وضعت فقط من قبل أطراف لحماية مصالحها وارساء نظام عالمي أوحد يمكن التحكم فيه متى وأين تشاء.
ولعل أشكلة أزمة القانون الدولي الإنساني نابعة أساسا من عدم توفر آليات واضحة ومؤسسات رادعة لفرض ممارسة القانون الدولي الإنساني أثناء النزاع المسلح المحلي والدولي. وهذا ربما يقودنا إلى الحديث عن عدم توفر إرادة دولية لفرض تطبيق القانون الدولي الإنساني نظرا لصعوبة الالتزام من قبل أطراف النزاع. وبالتالي فإن غياب الإرداة الدولية تجعل من القانون الدولي الإنساني مجرد نظرية أو لنقل بصفة أخرى أداة صورية، ذلك ما يمكن أن نستشفه من خلال الحرب على قطاع غزة منذ تاريخ 7أكتوبر 2023، حيث ما انفكت “إسرائيل” تخالف قواعد القوانين الدولية خاصة منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمواثيق الدولية ذات الصلة، والقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، ضاربة بذلك عرض الحائط كل القيم والمبادئ والإنسانية وقواعد العلاقات الدولية.
وإذا ما عدنا خطوة إلى الوراء للنظر في من وضع قواعد القانون الدولي وأسس العلاقات الدولية منذ الحرب العالمية الأولى، لا شك أننا سنجد أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها تتصدر التشريع والتعديل والإلغاء بكونها المنتصرة والقوة الأولى زعما، وهنا يحق لنا أن نستدعي المثل التونسي القائل “يا خصيمك القاضي فشكون تقاضي”. فهاهي اليوم الولايات المتحدة المريكية تدخل الحروب بالوكالة ولا أحد يسسطيع محاسبة وكالائها وذلك نظرا لكونها تمسك بطرف الحبل وخاصة مجلس الأمن.
لكن ورغم ما تم ذكره، حتى وإن فشل القانون الدولي الإنساني، فإن ذلك ليس مبررا للتخلي عنه خاصة في زخم هذا الوضع اللاإنساني العالمي ومع ما يحدث من أحداث في “غزة” وغيرها… نتمنى أن توجد آليات حتى لا يقبر هذا القانون.
ولعل ما يكمد غيض جراحنا وجود بعض المؤسسات الدولية التي لا زالت تحافظ على البعض من حياديتها والتي تعتبر “ضمير الإنسانية” كالمحكمة الجنائية ودورها الذي لا يجب أن تتخلى عنه بحكم الإنسانية والدفاع عنها؛ وعزائنا الوحيد في ذلك أن هذه الجرائم لا تتقادم بمرور الزمن.
وما يمكن أن نخلص إليه أخيرا أن القانون الدولي الإنساني إنما هو ضحية المفارقات التي يشهدها العالم ومن إنحدار للقيم والمبادئ الإنسانية، أمام المصالح الضيقة للدول الكبرى.

إرسال التعليق