القيروان: شح مخزون المياه بالسدود وراء تراجع إنتاج الخضروات
أيمن محرزي

الصورة من سد نبهانة أوت 2023
لاشيء أبشع من العطش وجفاف الأشجار في منطقة “عين بومرة ” التابعة لمعتمدية السبيخة بولاية القيروان،حيث الجفاف والفقر المائي وفقدان مياه الري بعد نضوب سد نبهانة بصفة شبه نهائية، ذلك السد الذي كان أهم شريان مائي تسقى منه آلاف الأشجار على اختلاف أنواعها منذ عقود طويلة.هذه الأزمة ألقت بظلالها على الفلاحين وكل الأهالي الذين سكنوا هذه الربوع التي تعيش من سد نبهانة مصدر مياهه الوحيد
الفلاحون في السبيخة، التي كانت تعرف بالمثلث الأخضر، لم يصبروا على حالتهم التي بدأت تسوء يوما بعد يوم وأشجارها التي بدأت تموت تدريجيا فتعالت أصواتهم من أجل إنقاذ ما تبقى من أشجار المشمش والزيتون والقوارص والرمان التي كانت تدر عليهم أرباحا هامة وتمكنهم من العيش الكريم في ما مضى من السنين وتذمروا مما آلت إليه أوضاعهم، مطالبين بإيجاد حلول جذرية من قبل السلطات المعنية، خاصّة بتفشي ظاهرة هجرة الأهالي لمنطقتهم وضيعتهم
الفلاحة في القيروان في أرقام
تبلغ مساحة ولاية القيروان 6712 كلم مربع وتمسح الأراضي الفلاحية 590 ألف هكتار منها محترثة تشمل أشجارا مثمرة و زياتين وزراعات كبرى وخضروات و غابات ومراعي أراضي دولية فلاحية و يقدر عدد رؤوس الأغنام الإناث حسب ما أفاد به رئيس دائرة الإنتاج الحيواني نورالدين الحمدي في تصريح لمجلة تكروان بـ 500 ألف رأس، أما عدد رؤوس الماعز الإناث بـ 50 ألفا و أما عدد رؤوس الأبقار الإناث فهو 26 ألفا منها 4700 مؤصلة و أما عدد رؤوس الإبل فيبلغ 700 إبل في حين يبلغ عدد المداجن 970 مدجنة كما تتميز الجهة بتربية الأسماك بالسدود حيث يقدر الإنتاج السنوي 100 طن فقط في هذه السنة نظرا لفترة الجفاف التي تعانيها الجهة

أما المنشآت المائية في ولاية القيروان فتضم ثلاثة سدود كبرى وهي سد نبهانة و سد سيدي سعد و سد الهوارب بطاقة خزن عند الإنجاز 330 مليون متر مكعب في حين يبلغ عدد السدود التلية 22 سدا طاقة خزن عند الإنجاز 38 مليون متر مكعب في حين يبلغ عدد البحيرات الجبلية 720 بحيرة بطاقة خزن عند الإنجاز 7,5مليون متر مكعب
ازدياد أزمة المياه في القيروان في سنوات العشرة الأخيرة
إنّ الحق في حياة كريمة يرتبط بجملة من الضمانات من قبيل الحق في الحصول على المياه الصالحة للشرب والذي نصّ عليه الفصل 44 من الدستور التونسي لسنة 2014
فأزمة المياه بجهة القيروان والتي بدأت منذ الثورة زادت حدتها في الفترة الأخيرة بشكل لم يعد فيه الأهالي قادرين على تحمل الوضع وأصبحت له تداعيات، كما أن الوضع مصنف بالخطير على الأهالي وعلى تونس ككلّ. رغم ما تزخر به المنطقة من موارد مائية، إلا أنها تشكو نقصا فادحا في مياه الشرب والري ، هذا الوضع ازداد إلحاحا مع زيادة السكان ومختلف الأحداث المناخية وسوء التوزيع، ويمكن أن يتحول فيه العطش إلى واقع يومي يمكن أن ينجّر عنه انفجار اجتماعي إن لم يتم توخي حلول استعجالية مراعية للبيئة واحتياجات السكان المائية بشكل يضمن الاحتواء والاستقرار الاجتماعيين
ومنذ الثورة تعاني جهة القيروان على غرار جهات أخرى بتونس إشكالية عدم الأمن المائي ويعيش متساكنوها أزمة عطش راهنة تهدّد وضعهم الصحي والحياتي. وزاد الوضع سوءا انحباس الأمطار في السنوات الأخيرة من جهة، والممارسات الفلاحية غير المراعية للتغيرات المناخية، وسوء التصرف في توزيع المياه، واستنزاف مخزون السدود من جهة أخرى، مما أدى إلى تصحّر الأراضي وازدياد وضع الماء إلحاحا وصراع الأهالي من أجل البقاء في ظلّ عجزهم عن تلبية احتياجاتهم في مستوى الشرب والري وعدة أنشطة حياتية أخرى ترتبط بالماء
إنّ الأزمة المائية بجهة القيروان غيبت الاستقرار بالمنطقة وأفضت في المقابل إلى تزايد الحركات الاحتجاجية من طرف مواطنين يطالبون بحقهم في الحصول على المياه الصالحة للشراب، لكن رغم خطورة الوضع الذي وصف بالكارثي، لم تعمل الدولة على إيجاد حلول جذرية تمكن من تحسين الوضع المائي ونشر الأمن في منطقة تعاني الهشاشة على جميع الأصعدة جراء نقص الإمدادات في المياه

صورة سد الهوارب أوت 2023
القيروان الخضراء تتحول إلى جرداء
شهدت القيروان خلال قرون ماضية تنمية اقتصادية واجتماعية وتمكنت من تحقيق إنجازات هامة بفضل إمدادات المياه الآمنة ولعل فسقية الأغالبة أكبر دليل . اليوم اختلفت تحديات المياه عما مضى، نظرا إلى التغيرات العديدة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية إذ يتزايد عدد السكان بما يقارب 2℅ سنويا وتتوسع المدن، وهو ما أدى إلى الاستهلاك المتزايد للمياه وسط عدم نجاعة الحوكمة بشكل تسبب في نضوب موارد المياه بشكل غير مسبوق خاصة الجوفية منها. كما أسفرت التغيرات المناخية عن ظواهر أشد قسوة زادت من مخاطر الجفاف والتصحر والادارة السيئة على محور المياه والطاقة والغذاء ينجر عنه الاستغلال المفرط للمياه
الفقر المائي و العطش بجهة القيروان
رغم أنّ عديد الدراسات أثبتت أنّ جهة القيروان تختزن موارد مائية هامة تبلغ 325 مليون م2 قابلة للتعبئة، تمت تعبئة 316 م2 منها من خلال 3 سدود كبرى و22 سدا و69 بحيرة جبلية، إضافة إلى 69 من الآبار السطحية و550 بئرا عميقة، إلا أنّ المنطقة تعاني من العطش جراء انقطاع الماء. وهذا ما جعل إشكالية الماء تقترن بسوء التصرف في المياه وإدارة الثروة المائية من قبل الدولة. في المقابل، أظهرت أبحاث أخرى أنّ الجهة تتميز بظروف مناخية شبه جافة بالشمال الغربي وجافة بجنوبها، وأصبحت تفتقر إلى الموارد الطبيعية المتجددة بصفة منتظمة ودائمة نتيجة التغيرات المناخية التي تتسبب في انعدام التساقطات
وانجر عن ذلك أيضا تراجع المياه المستغلة في الفلاحة السقوية بمخزون السدود

وقد كان مستوى المياه بالسدود الكبرى والبحيرات الجبلية بالقيروان بعد أن كان مجموع واردات سد سيدي سعد والهوارب ونبهانة إلى موفى فيفري لا يتعدى 11.5 مليون متر مكعب مقابل 63 مليون كمعدل لنفس الفترة مسجلا بذلك نقصا بنحو 82 بالمائة بحسب مصادر رسمية التي أكدت أن المياه المعبأة بهذه السدود إلى موفى شهر فيفري2010 قدرت بحوالي 80.6 مليون متر مكعب وتمثل بذلك ربع طاقة الاستيعاب الجملية في حين تقدر كميات المياه القابلة للاستغلال ب 34.6 مليون متر مكعب”
تراجع صابة الخضر والغلال بسبب نقص مخزون المياه بالسدود في العشر سنوات الأخيرة
حسب تقرير أصدرته المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالقيروان حول حصيلة الموسم الفلاحي 2012-2013 لوحظ تراجع واضح في الزراعات الكبرى بالولاية حيث بلغت مساحة الأراضي المزروعة حبوبا 112 ألف هكتار بلغ منها قرابة 27 ألف هكتار مرحلة الحصاد أي بنسبة تقدر بـ23.3% وأنتجت قرابة 750 ألف قنطار تتوزع إلى 405 ألف قنطار قمح صلب و 35 ألف قمح لين و 309 ألف قنطار شعير مقابل 2.05 مليون قنطار خلال موسم 2011/2012
في حين بلغت المساحات المخصصة لزراعة الأعلاف قرابة 7700 هك منها 6776 هك للأعلاف الخريفية والبقية للأعلاف الصيفية
أما زراعة الخضر في نفس الموسم بلغت المساحة الجملية المخصصة لزراعة الخضر 20 ألف هكتار أنتجت حوالي 409 ألف طن من الخضر الفصلية والشتوية والبدرية والصيفية.أما إنتاج مشاتل الأشجار المثمرة فبلغ خلال نفس الفترة حوالي 1.33 مليون شتلة من أهمها 646 ألف زيتون زيت و110 ألف مشتلة لوز في حين بلغ إنتاج مشاتل الخضر لنفس الموسم 25 مليون شتلة من أهمها 4.5 مليون شتلة فلفل
الغراسات الجديدة في قطاع الأشجار المثمرة كالزيتون واللوز والمشمش بلغت 4227 هكتارا مقابل تراجع واضح في نسبة الإنتاج المسجل حيث بلغ إنتاج الزيتون 108 ألف طن ( أي 22 ألف طن زيت) مقابل 124 ألف طن خلال موسم 2011/2012 كما تراجع إنتاج الغلال ليصل إلى 51 ألف طن مقابل 56 ألف طن خلال الموسم السابق
أما بخصوص صابة الموسم من زيتون الزيت فبلغت 52 ألف طن زيتون ( أي ما يعادل 10.4 ألف طن زيت ) مقارنة بمواسم سابقة فإن الإنتاج سجل تراجعا كبيرا بنسبة 52% وذلك نتيجة لانحباس الأمطار الذي عرفته الجهة على امتداد الموسم المنقضي
و للإشارة فإن نقص المياه بالسدود ارتبط ارتباطا وثيقا بتنفيذ الخطة الجهوية للحبوب وأثرها في تقدم الموسم الفلاحي بتأخير البذر بالنسبة للقطاع المطري واضطراب عملية ري المساحات السقوية المرتبطة بشكل مباشر بالسدود الكبرى بكل من السبيخة والشبيكة و نصرالله و بوحجلة
ومقارنة بالسنوات الماضية شهد الموسم الفلاحي 2022 و 2023
إنتاج ولاية القيروان كمعدل سنوي حسب رئيس دائرة الإرشاد و البرمجة في الفلاحة البيولوجية و مكلف بقطاع الأشجار المثمرة و الزياتين بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالقيروان بدر الدين قرميط ، 1,4 مليون قنطار من الحبوب و 120 ألف طن من الزيتون (9.9 ملايين أصل أي قرابة 11% من الرصيد الوطني منها 85% أشجار منتجة) و 50ألف طن من المشمش و القوارص و اللوز والرمان و 500 ألف طن من الخضروات و 250 الف طن من الطماطم و 80 ألف طن من الفلفل و 23 الف طن من البطاطا و 12 الف طن من الجلبانة و 10 آلاف طن من اللحوم الحمراء و 10 الف طن من اللحوم البيضاء و 50 ألف طن من الحليب و 180 طن من العسل
وتصدرت ولاية القيروان المرتبة الأولى وطنيا في مساحة الحبوب المروية بنسبة 25% من المساحة الوطنية و هي في المرتبة الأولى وطنيا في إنتاج الفلفل بنسبة 25% و تحتل المرتبة الثانية في إنتاج الطماطم بنسبة 21% و تحتل المرتبة الأولى وطنيا في إنتاج المشمش بنسبة 42% و تحتل المرتبة الثالثة وطنيا في إنتاج الزيتون و اللوز و المرتبة الأولى وطنيا في إنتاج العسل بنسبة 20% و تحتل القيروان المرتبة الأولى في عدد رؤوس المحترفات الصغرى 500 الف انثى منتجة دائما من الإنتاج الوطني
رغم أنا الموسم الفلاحي 2022-2023 تميز بتأخر تهاطل كميات متفاوتة من الأمطار حيث توفر مخزون قابل للاستغلال 10 آلاف متر مربع بكل من سد نبهانة والهوارب مما ساهم في تطور مساحات الإنتاج بقطاع الحبوب المروية وبلغت تقديرات صابة الرمان 15 ألف طن وتراجع في صابة القوارص إلي 16 ألف طن أما قطاع الخضراوات فقد تراجعت المساحات المزروعة من 1880 هكتارا إلى 1305 هكتار بطاطا وطماطم وفلفل بنسبة للخضر الغير الفصلية
إضافة لتراجع مساحات الخضر الشتوية من 6135 إلي 2080 هكتارا مخصصة لزراعة الجلبانة والبصل والفول واللفت والجزر . أما الطماطم الأخر فصلية فقد تراجعت المساحات من 430 هكتارا إلى 250 هكتارا بفعل العوامل المناخية ونقص الأمطار ونقص المياه بالمناطق السقوية

الإدارة تشخّص حالة السد وتقدم الحلول
أكدت المندوبية الجهوي للتنمية الفلاحية بالقيروان أنّ سد نبهانة يعدّ من أقدم السدود في البلاد التونسية ويعود تاريخ إنشائه إلى سنة 1967
وأنجزت عليه المنطقة السقوية “عين بومرة” التي تقدر مساحتها ب1700 هكتار ويستفيد منها حوالي 600 فلاح يتعاطون زراعة الأشجار المثمرة على غرار المشمش والزيتون والرمان
وأضافت المندوبية أن السد تم غلقه منذ نهاية شهر ماي 2020 المنقضي نظرا لشحة من المياه بعد ما كانت طاقة استيعابه تقدر ب 87 مليون متر مكعب لتتحول اليوم إلى 58 مليون متر مكعب أما مخزون المياه المتوفر به حاليا يمثل 2 مليون متر مكعب وبذلك يصبح من المستحيل توزيعها على الفلاحين خوفا من انسداد قنوات الري بالترسبات والأتربة
وبخصوص الحلول العاجلة، أوضحت أنه تم تخصيص منحة تقدر بـ 376 ألف دينار أي بمعدل 1500 مليم للشجرة الواحدة فضلا عن توعية الفلاحين وتحسيسهم بالتخلي عن غراسة الخضروات لا سيما الصيفية منها إلى جانب التأكيد على ضرورة الاقتصاد في استهلاك المياه
وأقرّت المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية أن أفضل الحلول لتغذية المائدة المائية بالقيروان يتمثل في جلب فائض مياه الشمال وربطها بالسدود الثلاثة بالجهة ( سد نبهانة و سد الهوارب وسد سيدي سعد )
ويذكر أن سد نبهانة يزود أربع ولايات (المهدية والمنستير وسوسة والقيروان) بمياه الشرب والري وشح مياهه تسبب في اختلال توازن التوزيع
ويبقى الحل الأنسب هو بعث مشاريع تتمثل في تحلية مياه البحر بالساحل وجلب فائض مياه الشمال بالقيروان
خبراء الوضع المائي خطير أثر على الوضع التنموي
الخبير في المياه طارق أيوب أكد في دراسة أنجزها حول الموارد المائية بولاية القيروان الواقع والآفاق أن هناك ضغطا متواصلا على الموارد المائية نتيجة اعتماد النشاط الفلاحي علي المروي خصوصا مقابل التخلي الشبه الكلي عن الزراعات المطرية..وتراجع الواردات السنوية بالسدود والاستغلال المشط لمعظم الموارد المائية السطحية والعميقة واقترح ضرورة ربط السدود الكبرى داخل الولاية و جلب مياه الشمال إلى الولاية أما عن آفاق القطاع فقد أكد أيوب أنه للحد من الآثار السلبية للنقص المسجل في الموارد المائية من أجل الاستجابة لمتطلبات التنمية المندمجة التي تعتمد إلى حد كبير على استعمال الماء في مختلف القطاعات وترشيد استغلال الموارد المائية بالجهة وتوجيه المستغلين الفلاحيين إلى الأنشطة الفلاحية التي تمكن من تثمين أفضل الموارد المائية المتاحة بالضيعة ووضع استراتيجيات وطنية لإدارتها
رغم أن الموقع الاستراتيجي المتميز للجهة، وقربها من الموانئ البحرية والجوية ومن الطريق السيارة تونس صفاقس زيادة على شساعة المساحات السقوية التي تجاوزت 58 ألف هك، واحتلالها المراتب الأولى من حيث إنتاج بعض الأصناف والحبوب المروية والفلفل و المشمش وتنوع تربتها وإمكانية إدراج العديد من الزراعات المعدة للتحويل ووجود أراضي دولية، إلا أن نقص مخزون السدود أثر على تراجع إنتاج الخضروات وساهم في اندثار صغار الفلاحين بالمناطق السقوية وساهم في ارتفاع عدد الآبار العميقة
أيمن محرزي
إرسال التعليق