زياد الاندلسي: مؤسس أول شركة خدمات توصيل في تونس…بين حب الاستقلالية ومخاطر بعث المشاريع

تصاحب التقدم التقني وتطور مجتمعات الاستهلاك ضمن مجتمع الحداثة من جهة، ونشاة مشاريع استثمارية تنموية ليبيرالية جديدة ضمن ايقاع العولمة، في بروز تنظيم جديد للعمل متسقا مع التقسيم العالمي الجديد للعمل تفاعلا مع نسق الانتاج ومجتمع الاستهلاك، وبالتالي بروز استثمارات رأسمالية جديدة منها استثمارات خاصة تتقاسم مع القطاع العمومي بعض المهام والادوار

من ذلك فان خدمة أو مهنة التوصيل او الساعي من المهن القديمة التي زاولها الانسان باستخدام وسائل وادوات تقليدية في سياق زمني متناسب مع ايقاع الحياة. 

ومع التقدم التكنولوجي وشبكة المواصلت والاتصالات ووسائل ووسائط رقمية وسريعة، اصبحت مهنة الساعي من طريقة توصيل عبر وساطة الساعي، الانسان ووسائله التقليدية، الى خدمة سريعة واكثر شمولية. 

استفادت فكرة الشركة من عقلنة الانتاج وتنظيم الوقت ومبدأ الربح من منظور التايلورية والتنظيم الاداري العقلاني من منظور فيبري واستفادة من مبادئ الفوردية في العمل المتسلسل وايضا من ناحية منظور العمل الاندماجي.

وبهذه الرؤية الاستثمارية والوسائط، ستنتقل خدمات التوصيل الشبكي ، كمشروع فردي ضمن المؤسسات الصغرى الناشئة- من الاحتكار العمومي البيروقراطي في اوهن تجلياته من ناحية التعطيل والتراخي، الى مجال مهني فيه الكثير من المرونة والحركية والنجاعة

سياق احداث الشركة

قبل عشرون عاما (20 عاما) أحدث الشاب زياد الاندلسي (25 عاما حين احدث المشروع)، أول شركة خدمات التوصيل سماها “الساعي” تربط بين الافراد ومؤسسات القطاعين العمومي والخاص في تقديم خدمات التوصيل.

  كان قرار احداث الشركة مرتبط باسباب عائلية واقتصادية وتحقيق رغبته في بعث مشروع خاص بعد عدة سنوات قضاها في التنقل بين الشركات الخاصة في تونس وفي الخارج. 

“ألو ساعي” اسم الشركة في مرحلة أولى وفي مرحلة تطورية مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية ، استفاد زياد، صاحب الشركة، من التطور الرقمي والنسيج الاقتصادي الجديد من تطوير الشرطة وتغيير التسمية في اطار خطة عمل تسويقية في خضم منافسة شركات اخرى منافسة في نفس المجال

“منذ كنت في مرحلة الدراسة الثانوي كانت تراودني فكرة بعث مشروعي الخاص بي وارفض فكرة ان أكون اجيرا أو موظفا” وقد اكتشف زياد  مهنة الساعي بمناسبة عمله في شركة اجنبية تعاقدت مع شركة توصيل خاصة بدل توظيف عون توصيل او ساعي يرسل ويجلب البريد.

وسائل الاتصال تطور الاقتصاد الشبكي

زادت التطورات التكنولوجية واقتصاد المعرفة في اغناء مهارات الشركة واكتساب علاقات شبكية ومعرفة ساعدت على الاندماج اكثر في مجال عمل الشركة وتطوير امكانات الواقع كما اتسمت مله بالمرونة بالتفاعل مع تطور الانماط الاستهلاكية المتنوعة والتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية التي غيرت من مفهوم السوق

وخلال جائحة كوروناـ عندما اصبح خروج الناس الناس الى السوق لاقتناء الحاجيات اليومية الروتينية غير ممكن، احدث زياد ضمن خدمات شركة خدمة تقريب سلة الاحتياجات اليومية من المواطنين.

 . اذ يكفي ان يتصل الحريف عبر هاتفه الجوال مباشرة لتصله سلة الطلبيات من المواد الاستهلاكية التي طلبها وحملت شعارا تسويقيا: “كلمني نقضيلك”.

وعن هذه الخدمة يقول زياد انها شكل جديد من الخدمات التي تزامنت مع جائحة كورونا عندما اصبح الناس يخاوفون من الخروج والتنقل بسبب العدوى. وخلال فترة الحاجر الصحي. فكان اعوان الشركة يقومون باقتناء الحاجيات التي يطلبها الحريف مسبق وتصله الى منزله”. 

ويبدو استعمال الهاتف هنا ضمن توظيف شبكات الاتصال والشبكات الاجتماعية في تقديم خدمة اقتصادية ولكن ايضا لها ابعاد اجتماعية في سياق التفاعل الاجتماعي ومرونة عمل الشركة وبناء شبكة علاقات تعتبر رأسمال رمزي للشركة ولزياد. كما ان نجاح الخدمة سيسهم في التعريف بها من خلال تنامي شبكات التواصل الاجتماعي و/او ضمن المجموعات الاجتماعية عن طريق “الاشاعة من الفم الى الاذن” ضمن تفاعلت المعيش اليومي. 

شبكة العلاقات وراس المال الرمزي

اعتمد زياد في خطته التسويقية على جوانب السرعة والضمان والنجاعة مما اكسبه ثقة عملائه وتضاعف عددهم ونقل الشركة من صعوباتها المادية التي عاشتها في بداية النشأة وتضاعف عدد العمال واللوجيستيك وراسالمال المادي والراسمال الرمزي من خلال شبكة المعاملات.

لمعرفة الشركة علينا ان نعرف سياق تاسيسها ودوافع صاحبها خاصة وانها اول شركة خدمات توصيل شبكي مستجدة من ناحية الفكرة ونوعية الخدمات والتسييروالتشبيك والاندماج في المحيط الاقتصادي

زياد الاندلسي، 45 عاما. صاحب الشركة  التي بلغ عمرها حاليا 18 

درس زياد المحاسبة بالجامعة. اثر تخرجه اشتغل لمدة عامين بشركة تونسية (مجمع بولينا) براتب محترم لكن حصوله على فرصة في العمل الخارج دفعته الى ترك عمله وترك البلاد. واستقر بضع سنوات في العمل بشركة شحن بحري بسويسرا.

من خلال عمله وتنقله بين دول أوروبية، اكتشف خدمة عصرية ناهضة على مقومات عمل البريد لكن ضمن القطاع الخاص تتمثل في وكالة خدمات توصيل بضائع مختلفة الاحجام.

جملة العناصر الموضوعية، وهي التجربة والمعايشة والتاثر بالمحيط الاقتصادي المتقدم زمنيا في اوروبا عنه في تونس، والمتاثر بالنموذج الانجلوسكسوني، وهو نموذج اقتصادي ليبرالي متحرر ومنفتح على الاستثمار الفردي، هذه العناصر اتحدت مع مع رغبة شخصية من زياد في بعث مشروع خاص بعيدا عن دور الاجير بشركة. ولم يكن الدافع ماليا لان مرتبه بالشركة السويرسية كان محترما، لكنه كان بعيدا عن العائلة خاصة وان زوجته انجبت طفلته الاولى.

الابعاد الاجتماعية: اندماج ومرونة

رغب زياد في بعث مشروع خاص يضمن اندماجه الاسري مع رغبته في احداث شركة خاصة يديرها بنفسه. وكانت بمثابة مغامرة لكنه رغب في عيشها متحدا الصعوبات والسياق الاقتصادي الذي كان يشهد جمودا قبل الثورة وعزوفا عن الاستثمار الخاص.

كان للمحيط العائلي لزياد دورا واثرا كبيرا في انبثاق مشروع خدمات التوصيل أو الساعي.

 . فقد كان جد زياد ساعي بريد وهو ما ساهم في انقداح الفكرة انطلاقامن تجربته في الخارج. ويوضح زياد انه “لاحظ ان هذه الخدمة في سويسرا تقوم بها شركة خاصة من خلال عقد مناولة مع الشركة التي يعمل بها. وذلك كبديل لانتداب موظف يقوم بالخدمة. وفي هذا ضغط للتكلفة وربح للوقت كما يقول زياد”. 

كما تزامن انطلاق الشركة مع ولادة اول طفلة لزياد، وهو ما اعتبره بمثابة عبور رمزي للعائلة.

اختار زياد مقر شركته بتونس العاصمة، بوصفها العاصمة الاقتصادية والادارية وانطلق في نشاط خدمات التوصيل بوسائل نقل بسيطة في البداية تتمثل في دراجتين ناريتين وهاتف المكتب. واستعمال الهاتف في تلقي الاتصالات والتواصل مع الافراد والشركات ، يتماشى مع نموذج التسويق “باب لباب” الذي ظهر في امريكا في الثمانيات 

تحولات جوهرية في حياة زياد

انتقال زياد من أجير يعمل من أجل كسب أجرته بشكل مستقر وبالأخص خلاله عمله بالخارج (مرتب بالعملة الصعبة)، وعودته الى تونس ليبعث مشروعه المستقل، برأسمال غير ثابت وبتمويل عائلي، كان بمثابة مخاطرة في سياق وضع اقتصادي، كان في التسعينات يشهد نوعا الركود وضيق الافق والتعطيلات الادارية

“كنت اعمل بشكل مستقر وبمرتب محترم في القطاع الخاص وفي الخارج، ولكن حلمي ببعث مشروعي الخاص ظل يلح علي ويشتد الحاحا. وكنت متيقنا من وجود صعوبات ومخاطر سواء على مستوى التمويل الذي كان محدودا وذاتيا بشراكة مع زوجتي وقمت بادماج سيارتي ضمن المشروع وكانت البداية صعبة ايضا لان الخدمة جديدة خصوصا لدى قطاع الوظيفة العمومية”.

جملة الصعوبات والتحديات لم تعطل زياد عن بعث مشروعه بل زادته اضرارا وتمسكا بحلمه. 

وانطلق في العمل من مكتبه بالعاصمة ونجح في اقناع عدد من المؤسسات والافراد في التعامل معه وكسب ثقتهم تدريجيا، مستعينا بمعاونين غير قارين يتنقلان على دراجتين ناريتين لتوصيل المراسلات والبضائع واستقر هو بالمكتب يتلقى الطلبيات ويتواصل مع العملاء

“لم يكن الناس يثقون في شركة خاصة تقوم بارسال ما يرونه اسرارا سواء خاصة او ادارية ولكن استطعنا كسب ثقتهم من خلال شفافية التعامل”

مع مرور الاعوام، وعاما بعد عام من مراكمة التجربة وتوسيع شبكة التعاملات ومراكمة رأسالمالي وبدعم من العائلة، نجح زياد في توسيع مشروعه وتثبيت شركته لموضع قدم في النسيج الاقتصادي والفضاء الخدماتي بالعاصمة الى جانب تمكنه من التمدد نحو جهات الجمهورية عن طريق التعامل مع متعاونين يعملون بحساب “القطعة” كعمل جانبي لمعظمهم.

الرأسمال الثقافي المتمثل في مستواه التعليمي الجامعي في تخصص المحاسبة، وخبرات العمل التي راكمها من وراء عمله بشركات خاصة خصوصا التعامل مع اجانب لهم اسبقية في تخصص هذه المهنة التي استلهمها، اضافة الى راسماله الرمزي (جد زياد ساعي بريد)، مثل مؤهلات وخبرات أغنت كفاءة زياد في ادارة المؤسسة والارتقاء بها تدريجيا على مر السنوات.

من الخطر الى التماسك

من مظاهر تطور شركة زياد هي توسع شبكة معاملاته والتوصل الى التعامل حاليا مع 400 حريف قار بين مؤسسات عمومية وخاصة وافراد من رواد التجارة الالكترونية التي نمت في الاعوام الاخيرة وتبيع سلعا استهلاكية متنوعة تتماشى مع ايقاع العابر من الموضة والمواد المتنوعة الموردة خصوصا من الصين وتركيا.

اصبحت شركة زياد لخدمات التوصيل السريع تشغل 20 فردا منهم أجراء قارون بمرتبات ثابتة ومنهم متعاونون واصبح اسطور العربات اكبر. ويشتمل حاليا على 9 دراجات نارية وهوائية و8 سيارات وشاحنة. 

“يتذكر زياد بدايته في العمل مع عونين وقام بشراء دراجتين بالاقساط لكن احداهما سرقت فكانت صدمة كبيرة امامه لكنه اصر على مواصلة العمل”

فضلا عن القيمة المعنوية التي تتصاحب مع اقامة مشروع مستقل يحقق ديمومة في فضاء اقتصادي متحرك متسم بالمنافسة، فان ما يعتبره زياد نجاح مشروعه الاقتصادي الخاص به وباسرته، يحمل معه رياح الارباح المادية ويصبغ عليه  ربحا ماليا يزيد من راسماله الاجتماعي في مجتمع يقدر اصحاب الراسمال وينظر باحترام وتقدير لاصحاب المشاريع من منظور التمايز الاجتماعي الذي يتحدث عنه بيار بورديو.

تقديم تجربة بعث المشاريع: النموذج المبادر

اكتسب زياد أيضا راس مال رمزي من وراء شبكة المعارف والعملاء وايضا حاز على اهتمام وسائل الاعلام، حيث كانت البداية من خلال شقيقه المصور الصحفي باحدى وكالات الاخبار الذي مهد له الطريق نحو الحضور كضيف صاحب قصة نجاح بعدد من وسائل الاعلام التونسية منها اذاعة اكسبريس اف ام التي تعنى بالمواضيع الاقتصادية واذاعة موزاييك واسعة الانتسار بتونس، وذلك في اكثر من مناسبة.

كما تمت دعوة زياد بصفته “باعث مؤسسة” لتقديم تجربته ضمن اللقاءات التي تجمع اصحاب المؤسسات واصحاب المبادرات الاقتصادية للحديث عن تجاربهم سواء امام ملتقيات تنظمها مؤسسات جامعية او فضاءات محضنة المؤسسات. كما لم يفت زياد الاشتغال على الجانب الاتصالي والدعاية ضمن النسيج الاقتصادي (ايكوسيستام) لتدعيم اندماجه الاقتصادي وفتح افاق اكثر لمشروعه الخاص.

تصاحب اقامة الشركة وتحقيقها ديمومة مع جملة من الابعاد الاجتماعية الاندماجية والاستهلاكية سواء بالنسبة لزياد كصاحب مشروع واسرته التي اصبحت صاحبة شركة خاصة تدر مداخيل ثابتة تؤمن احتياجات العائلة ومستوى عيش متناسب مع راس المال في بيئة اجتماعية واقتصادية بتونس العاصمة تفرض شروطا مالية خاصة مع تزايد عدد افراد العائلة وتنامي احتياجاتها الاستهلاكية.

المشروع الخاص وموارد الشغل الجماعية 

بالتوازي  مع تشغيل 20 شخصا يتبدلون بشكل مستمر من خلال عقود وقتية ، الى جانب مواظفين باجرة ثابتة، استطاعت شركة زياد تحقيق اندماج اقتصادي واجتماعي ضمن تطورها واستمرارتها:  

 فساعدت العملاء في استبدال وقت الانتظار والطوابير والتنقل بمقابل أجرة التوصيل في زمن الوقت فيه ثمين ونسق  الحياة شديد الضغظ والتسارع.

 تقليص كثابة تنقل الاشخاص واحالة المهمات لدى الشركة لجهة واحدة وفيها هذا تقليص من حركة المرور والتنقل والتلوث والحوادث والجهد والوقت والنفقات

وفرت الشركة سوق شغل مرنة لعدد كبير من العمال الذين يناسبهم هذا النمط من التشغيل الوقتي. لكن مواقع العمل ظلت ثابتة وفي تصعد وتنتدب الشركة باستمرار اعوان توصيل بعقود ظرفية. وهي موارد رزق تساعد اسرا على مجابهة النفقات الى حين الانتقال الى مورد اخر.

 تسخير أسطور من ووسائل النقل وهي وسائل انتاج تنصهر ضمن منظومة اقتصادية وانتاجية اخرى متصلة باعمال الصيانة والمحروقات وقطع الغيار وشهائد التامين ومعاليم الجولان وغيرها من الجوانب المتعلقة بتنقل الاسطول بكامل تراب الجمهورية من متعلقات استهلاكية.

مدينة المشاريع والابعاد الاجتماعية والنفسية

ربط الشركة وصاحب الشركة والعاملين بها، صلات وعلاقات مع الانساق الاجتماعية الاخرى في اطار العمل اليومي

 تمكن المعاملات مع الادارات العمومية من التخلص من التعطيلات الناجمة عن البيرواقراطية الادارية السائدة

 تقاسم الادوار مع مؤسسات البريد كمؤسسة عمومية التي تشهد بدورها صعوبات لوجستية.

 الحد من هيمنة القطاع العمومي واحتكار مهمة التوصيل وخدمات البريد

الاستجابة للحاجيات المتسارعة والمزايدة للمجتمع الاستهلاكي المتاثر بايقاع السرعة والتنوع العابر للسلع وتقريب الخدمات عبر تقنية التوصيل السريع الى باب المنزل.

 أبعاد اجتماعية لمجتمع العمل من خلال التعاون والتآزر  بين العمل، حيث تصبح الشركة بمثابة فضاء اجتماعية يتوفر على تفاعلات يومية بين العاملين

من خلال معايشة تعامل زياد مع العمال او الاعوان العاملين بالشركة، فقد كرس نوعا من العلاقة الافقية بينه وبين العمال وفق مفهوم الشراكة والعائلة ما ساهم في تمتين صلة العمال مع الشركة وكسب ولائهم وضمان انتاجية متناسبة مع طبيعة العمل وتفادي اي تقاعس او تغيبية عن العمل مع العمل على تحقيق النجاعة الاقتصادية وفق الية تنظيمية تجمع بين ثنائية الانتاجية والتنظيم الاداري الضامن للمردودية

عن فريق التحرير

شاهد أيضاً

طموح فنان قرمبالية، الذي سخر عدسته لتقديم صورة أجمل للمدينة

مدينة قرمبالية، أو «هوكولومباروس» وفق التسمية اللاتينية التي تعني الحمام الزاجل. مدينة تشتهر بانتاج العنب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *