لم يكن يوم 23 ديسمبر 2012، يوما عاديا في ملعب البلدي ببوحجلة من ولاية القيروان، حيث كانت جماهير كرة القدم و الأهازيج والشعارات في اتجاه متباريات في الملعب لأول مرة ! والحدث أول مباراة لجمعية النسائية لكرة القدم كبريات بعد تأسيسها وانطلاق نشاطها بالرابطة المحترفة للسيدات رغم عديد الصعوبات والعراقيل لتقوم بتأطير قرابة 300 فتاة من كافة الشرائح العمرية.
أمينة عبدلاوي، الأربعينية، هي في الآن ذاته، اللاعبة والمدربة ورئيسة الجمعية عشقت كرة القدم منذ الصغر. انطلقت مسيرتها كلاعبة كرة قدم لجمعية الساحل واتخذت من الرياضة مهنة لها بعد تخرجها في ذات الاختصاص، وعهدا لم تأثر به لنفسها حتى أنها عادت إلى مسقط رأسها بوحجلة لتنطلق في تأطير فتيات يتقاسمن معها شغف كرة القدم. قدمت لهن كل أنواع الدعم الاجتماعي والقانوني والفني وحتى المادي.
وفي مجتمع لم يعتد رؤية فتيات لا يهوين كرة القدم، بل يمارسنها في إطار فريق يتطلع إلى ولوج بطولات، كان بدا على أمينة أن تتولى توعيتهن بحقوقهن وواجباتهن وتوفير الفضاءات لصقل مواهبهن وهو عبارة عن فضاء ترفيهي لفائدتهن .
تجاوزت شهرة العبدلاوي معتمدية بوحجلة التي تعد قرابة 100 الف ساكن إلى خارج ولاية القيروان ومنها إلى خارج تونس لتصبح من أشهر اللاعبات عربيا وإفريقيا. كان ذلك فترة احترافها بين سنوات 2000 و2010 في جمعية الساحل وتونس الجوية وجمعية النسائية بصفاقس وتعزيزها صفوف المنتخب الوطني في التربصات لتصفيات الدولية .
وفي الفترة ذاتها وهي الوحيدة التي تشرف علي جمعية نسائية لكرة القدم بالقيروان، وفي بقية الولايات هناك 12 امرأة تترأس جمعيات رياضية . توجت بكأس تونس وبطولتين(2007 _2010 ) ومثلت البلاد في دورة دولية” فرساي ” لتحرز على كأس الدورة سنة 2020 بمشاركة 12 فريق من فرنسا
انطلقت مسيرة العبدلاوي في سن السادسة، كما تقول، بتشجيع من والديها وإخوتها الذكور الذين كانوا يتابعون مقابلات كرة القدم ويشجعون فريقهم المفضل ويمارسونها في الحي والصغيرة معهم أينما ذهبوا.
وأخذ زوجها المشعل عن الإخوة، فكان داعما ومشجعا لها. ولم تبخل هي نفسها على تطوير مهاراتها وصقل مواهبها فتابعت التربصات إلى أن حصلت على شهادة الدرجة الثانية في التدريب وهي شهادة تخول لها قيادة فرق كرة القدم النسائية أو الرجالية. انهالت عليها العروض من بينها الإدارة الفنية للمنتخب.
لم تكن الطريق معبدة أمامها خاصة في تأطير فتيات الجهة، “فكرة القدم رجالية وبالتالي لا دعم لها”، لكن العبدلاوي كانت “مؤمنة برسالتي في تغيير واقع الفتيات في جهتي ونجوميتي قوامها التواضع ونجحت إلى حد كبير في تغيير التقاليد السائدة وتوجيه الخارطة الرياضية محليا وجهويا ليصبح لهذه الرياضة جمهورها… حلمي أن أرى الفتيات الذي أشرف على تدريبهن محترفات دوليا”. والأكيد أن ذلك ليس بالحلم بقدر ما هو هدف تعمل على تحقيقه بعد أن عززت تشكيلة المنتخب بستة عناصر سنة 2022.
وتلقب العبدلاوي على أرض الملعب ” بصاحبة الرئات الثلاث “لقوتها وصالبتها وتحديها ودفاعها علي فريقها دون كلل وملل وشغفها غير المحدود بفريقها وقد ساهمت بضخ اوكسجين في فتيات عاصمة الاغالبة وقد ساهمت في تطور سريع لكرة القدم النسائية بالقيروان واستحوذت على قلوب المئات من عاشقات هذا النوع من الرياضة بجهتها حسب ما أكده سهيل غريبي الكاتب العام للجمعية النسائية ببوحجلة.
عدد هذا الأخير ميزاتها ليؤكد أنها تتميز بقوة بدنية قوية وحركات جيدة كالقفز والتسديد ومواجهة المنافسات و الرشاقة والتوازن والسرعة. “وهي ميزات لا تتوفر سوى في اللاعب الحديث النظيف، إضافة الصلابة الذهنية والقدرة الاحترافية وطول النفس للوصول لمستويات متقدمة في هذه اللعبة”.
وللعبدلاوي ميزات أخرى حسب متابعيها من قدرة قوية على التدريب وتحمل مسؤولية الإدارة ومهارات فردية توظفها في العمل الجماعي بشكل متجانس ومتناغم، علاوة على روحها الرياضية داخل الملعب وخارجه. ومكنت تجارب الاحتراف والتدريب من إكسابها خبرة واسعة ومهارات وفنيات عالية، علاوة على الصفات الخمسة التي يراها فيها كاتب عام جمعيتها تجعلها مميزة عن اللاعبات الأخريات وهي “الإرادة والعزم والثقة في النفس وحسن التواصل والمثابرة”
آمنة العبدلاوي هي الاولى التي أدخلت هذه الرياضة النسائية إلى جهتها رغم صعوبات البدايات في إقناع الأولياء بضرورة توفر جمعية نسائية لكرة القدم على غرار 12جمعية موزعة على كافة أنحاء البلاد وتتوفر على اكثر من 30الف آلاف صاحبة إجازة وأصبحت محل ثقة وتقدير في الساحة الرياضية وتتصدر بفريقها البطولة التونسية في المواسم الاخيرة
ونجاح أمينة وزمردة عيساوي (القيروان ) وسارة سليم( سوسة )وومنال الحمايدي (تطاوين ) لا يجب أن يخفي اخفاقات عشرات الرياضيات الأخريات اللواتي الذين تركي الرياضة بعد ان اصطدمت بثقافة ذكورية لا تعترف باختصاصهن وتمييزا مؤسساتيا يعطي أفضلية للجمعيات الرجالية، فضلا عن عزوف المستشهرين دعم الجمعيات النسائية .وتظل كرة القدم النسائية رهينة تظافر المجهود و الإرادة للتغيير والتطوير انطلاقا من رغبات فردية في تحقيق الأمنيات
أيمن محرزي