القيروان عاصمة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

نحو مليون زائر يطوفون بالمعالم الدينية وينشطون الحركية الاقتصادية

الالاف يتابعون احد العروض في ساحة جامع عقبة

القيروان-ناجح الزغدودي

من أعلى درجات منبر جامع عقبة ابن نافع، اقدم منبر اسلامي بعد منبر المسجد الاقصى،  وقف إمام الجامع الكبير (الشيخ الطيب الغزي)، بمناسبة خطبة الجمعة المتزامنة مع ذكرى المولد النبوي الشريف يحث المصلين اللذين تضاعف عددهم، على اجلال قدر نبي الاسلام محمد صلى الله عليه وسلم ويعظهم بواجب حسن ذكره والصلاة عليه كلما ذكر اسمه في مجلس او محفل.

فتتجه أفئدة المصلين صوب الإمام الخطيب الثمانيني وتتفاعل مع نبرات صوته التي تنخفض تارة في ذكر عبارات الرحمة وترتفع تارة أخرى عند التحذير فيوقظ الانتباه ويحفز  على الذكر والتذكر والايمان والتفكر في محاسن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وحسن الاحتفاء بذكرى مولده والتأسي بحسن خلقه وعطر سيرته والاقتداء بدعوته.

خارج الجامع كان مئات الاف الزوار الذين توافدوا على مدينة القيروان، يتجولون بين شوارعها ويطوفون بمعالمها الاسلامية وفضاءات الاحتفال  من فضاء البرك الاغلبية العتيقة ومقام الصحابي الجليل ابي زمعة البلوي وبين المعارض والاسواق التي تعرض ما لذ وطاب من المصنوعات التقليدية التي يعرضها حرفيون وتجار جاؤوا من مختف جهات البلاد التونسية وحلويات المقروض وما تشتهيه انفس الزوار من أطاعم القيروان.

وعندما يأتي مساء الجمعة تتجمع الجماهير في اكثر من صعيد في محيط جامع عقبة وبطحاء الجرابة العتيقة والبرك الاغلبية لمتابعة عروض الانشاد الصوفي ذات الايقاع المتنوع وهي عروض تونسية واخرى دولية من ليبيا والجزائر واندونيسيا ومن سوريا الى جانب عروض من انتجاب محلي قيرواني تشرف على تنظيمها هيئة مستقلة في اطار مهرجان دولي.

خطبة الجمعة التي إختار امام جامع عقبة اقدم المساجد التونسية وفي شمال افريقيا (50 للهجرة)، حضرها عدد من المصلين اكبر من المعتاد امام توافد اعداد كبيرة من العائلات التي اختارت ان تكون اول وجهة لها جامع عقبة ليكون منطلق زيارتها قبل استكمال رحلات التطواف بين مختلف المعالم التي تتنافس في جذب الزوار الى فضائها باغراءات لا تقاوم من سحر التاريخ ورمزية المكان وطقوسه الروحانية وايضا اجوائه الاجتماعية والاقتصادية التي تنشط بكثافة بمناسبة الاحتفال بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

القيروان تزدهي وتلبس أبهى الحلل من قديم الزمان بمناسبة الاحتفال مولد النبي محمد عليه افضل الصلاة وازكى  لسلام. وهو احتفال متجذر في اجيالنا الماضية وكانت العناية به والحفاوة به في مستوى التزامهم الديني ومحافظتهم على الضوابط الاسلامية وتدينهم. يقول الشيخ الطيب الغزي (ثمانيني) امام جامع عقبة ابن نافع مشيرا الى وجود فوارق في شكل الاحتفال بين ماعاشه هو في السابق من اشكال الاحتفال وبين ما هو قائم اليوم في مقارنة أجراها اشار من خلالها الى ان ما عاشه في بداية الاربعينات والخمسيانات يختلف عما ما هو موجود الان.

وفسر ان الاحتفال الديني اليوم يقتصر على الاحتفال بالمولد في جامع عقبة فقط دون تشريك باقي المساجد والمعالم الدينية مشيرا الى تراجع قيمة الاحتفال الديني بمقام ابي زمعة البلوي والغاء عدة فقرات دينية كانت قتام في مقام الصحابي الجليل منها قراءة صحيح البخاري. واضار الى انه تم تحويل هذه الفقرة الاحتفالية الى جامع عقبة وتضاف اليها فقرات دينية اخرى مثل السردية المولدية لسيرة الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم وموكب توزيع الجوائز على المتفوقين في المسابقات الدينية.

“يجتمع الائمة والدكاترة والاساتذة ليسردوا على الضيوف وعلى الحاضرين احاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم احادثت من الجامع الصحيح للامام البخاري.

واضاف الشيخ الغزي: ادوا اهال يالقيروان الى مراجعى اسلوب وطريقة الاحتفال بالمولد النبوي في مستوى صاحب المولد وهو محمد عليه الصلاة والسلام وهو المبعوث رحمة للعالمين وقال ايضا ينبغي ان نرشد ونجود أسلوب الاحتفال بالنبي وان نجعله في مستوى قامتة الكبيرة وان لا ينزاح الاحتفال الى مظاهر فلكلورية سطحية تخرج بالاحتفال من طابعه الديني.

وقال الشيخ الغزي إن القيروان تحتفي وتعيش الفرحة والسرور بمناسبة كل ذكرى مولد وتنتشر اجواء الاحتفال في ارجاء القيروان ولكن يجب تعليم الابناء والشباب والاجيال القادمة وان نعطيهم صورة طيبة عن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وهي قيمة طرحها الشيخ الغزي في خطبة الجمعة.

وختم الشيخ الغزي بالقول ان الاحتفال بذكرى المولد النبوي في جامع عقبة بن نافع ما يزال محافظا على البعد الديني والروحاني ويرى انه لا يمكن أن يخرج الاحتفال بالمولد بالجامع عن مقام الابتهالات والدعاء وتتم المحافظة على هذا القدر من الاحتفال الديني حتى لا يتبخر.

مليون زائر…حتى الفجر

حديث عن مليون زائر

اثر الفارغ من الصلاة، تهافت عدد كبير من الزوار الى صحن جامع عقبة بعضهم محمل بحقائب سفر توحي بانهم قادمون من محافظات اخرى وقد جاؤوا في حافلات ضمن وفود سياحية.

من لم يسعفه الحظ بحجز اقامة بالنزل سيجد ضيافة ومبيتا بأحد معالم القيروان امام مقام ابي زمعة البلوي او اسواق المدينة العتيقة وبيوت الضيافة واما يقضي الليل في التجوال وسط المدينة بين فضاءات الاحتفال والعروض الموسيقية التي اقيمت ليلة المولد منها عرض بساحات جامع عقبة وعرض بساحة باب الجلادين وعرض ببطحاء الجرابة بالمدينة العتيقة.

ورجح وزير السياحة الذي اشرف على حفل للانشاد الصوفي شاركت فيه فرق  انشاد من ليبيا وسوريا والجزائر واندونيسيا أن عدد الزوار وصل المليون زائر وقد يزيد واعتبر ان مهرجان المولد بالقيروان في نسخته الدولية يمكن ان يكون اضخم التظاهرات في تونس مستقبلا.

البرك الاغلبية تستعيد دورها

البرك الاغلبية (الفسقيات) وهي معلم مائي بهندسة ومعمار فريدين تعود الى القرن الثالث للهجرة/التاسع للميلاد، استعادت بريقها هذا العام ودورها في احتضان فعاليات الاحتفال بذكرى المولد.

https://www.facebook.com/takrawan.net/videos/430517225885823

وحظيت بصيانة وتنظيف وتهيئة وتنوير  لتكون قادرة بفضل مساحتها الواسعة ورمزيتها كمعلم حضاري يلعب دور المنتزه العائلي، في احتضان تظاهرات احتفالية منها عروضا للانشاد الصوفي وعرضا للوانيس المضيئة وعروضا ضوئية. وكانت وجهة لالاف الزوار الذين تمكنوا من مشاهدة معلم تاريخي متميز طالما سمعوا عنه وشاهدوا صورا له، فكانت مناسبة لالتقاط الصور التذاكرية وصورا لانعكاس التفاصيل المعمارية وزرقة السماء على الماء، لتخرج مشاهد تعانق مجد التاريخ ومشاعر الاحتفال والفخر بهذه المخزون الحضاري للقيروان التونسية.

عادات ونشاط اقتصادي

اذا كانت جميع الجهات التونسية تحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف، فان القيروان هي قلب هذا الاحتفال وقطبا مركزيا تدور حوله جوانب احتفالية تختزن عادات متميزة على صعيد تقاليد الاحتفال في البيوت القيروانية وكذلك الانشطة الحرفية والصناعات التقليدية من نحاس مطروق ونسيج الحايك والزربية والجلد والحلويات التقلدية وأبرزها المقروض.

وهذه الحرف تنشط الحركية الاقتصادية للمدينة بمناسبة المولد. حيث يمكن لالاف الحرفيين المحليين ترويج منتجاتهم  كما تتيح المعارض الوطنية التي فتحت بمناسبة الاحتفال بالمولد، فرصا لحرفيين من مختلف جهات البلاد عرض منتجاتهم.

سوق المولد من العناصر الاساسية في هذه المناسبة.على طول الطرقات والشوارع المحيطة بمقام ابي زمعة البلوي وفضاء الفسقية وجامع عقبة بن نافع، تقام سوق تعرض الوانا من المعروضات من الاواني والملبوسات ولعب الاطفال والحلويات وكل ما تحتاجه الاسر في منازلها خصوصا الاواني الخزفية والبلورية الخاصة بتقديم العصيدة للضيوف.

هذه الاحتفالات الضخمة والحضور الكبير للمحتفلين بالمولد في القيروان، استوجبت جوانب تنظيمية وجهودا أمنية لتأمين الزوار وضمان سلامتهم وتفادي أي تعكير لصفوة الاحتفال. فكان التقاء الزوار من مختلف الجهات، مناسبة اجتماعية وثقافية واقتصادية لم يغب فيه أي مظهر من مظاهر الاحتفال ولم يدخر فيه اي جهد للتعبير عن نفحات الاحتفال فلم يغب الرقص والغناء ولا المسابقات والترفيه وتوزيع الهدايا من حلويات وعصيدة يوم المولد بمقام الصحابي ابي زمعة البلوي، ومورست جميع طقوس الاحتفال منها مظاهر فلكلورية ومنها مظاهر روحانية ودينية تتطابق مع ما دعا اليه امام جامع عقبة بن نافع الشيخ الطيب الغزي في خطبته حول تغليب الابعاد الدينية في الاحتفاء بسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لتبقى القيروان ومعالمها رمزا للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف وقبلة الزوار وعاصمة ابدية للاحتفال بما يتناسب مع قيمة المولد وقامة الرسول الاكرم عليه افضل الصلاة وازكى التسليم.

عن فريق التحرير

شاهد أيضاً

المواطن في القيروان والمواد الغذائية المدعمة أو لعبة التجلي والتخفي…رغما عن مرسوم مكافحة الاحتكار والمضاربة 

العائلات القيروانية الفقيرة والمواد المدعومة: الحق الموعود والغذاء المفقود “حاليا ليست لدي أية مادة من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *