ريبورتاج حسان النابتي
بخطوات مرتبكة وملامح حزينة صعدت درجات السلم متجهة نحو المكتب، وبتردد جلست على الكرسي، استردت أنفاسها وصمتت لبعض الوقت محاولة إيجاد الكلمات المناسبة التي ستصف بها ما مرّت به من صعوبات. ثم بدأت في سرد معاناتها. حياة هي أم لطفلين تبلغ من العمر 32 عاما. تعرضت للظلم ونُبذت من الناس منذ نعومة أظافرها. لاحقتها نظرات الازدراء ولقب الفتاة اللقيطة على الدّوام.
تعرضت للعنف اللفظي والنفسي والجنسي والاقتصادي. حُرمت من أبسط حقوقها كإمرأة، فلم تعرف قدميها الصغيرتين وهي طفلة طريقهما نحو المدرسة. وحين كبرت لم تتسنّى لها إيجاد فرصة عمل تقتات منه لقمة عيشها بكرامة. فاضطرت لممارسة البغاء لتعيل نفسها وتوفر متطلبات طفليها اللذين أنجبتهما لاحقا دون زواج. تستهل حياة حديثها مسترجعة ذكرى أليمة غير بعيدة “مؤخرا تعرضت للضرب المبرّح والاغتصاب من طرف مجموعة أشخاص هاجموا منزلي ونعتوني بأبشع الصّفات أمام الطفلين غير مبالين بتوسلاتي وبحالة الفزع التي انتابتنا جميعا”.
اعتبرت بأن غياب سند يحميها ويأويها من أمثال هذه الذئاب البشرية كان الدافع الرئيسي الذي جعل أغلبية المحيطين بها يتطاولون عليها ويستبيحون جسدها. عاشت طفولة قاسية لا تخلو من الأوجاع، إذ أنجبتها والدتها خارج إطار الزواج ولازالت لحد الساعة عاجزة عن الوصول إلى مكان والدها البيولوجي. لم تتلقى أثناء طفولتها الرعاية العائلية اللازمة في ظل عائلة متكاملة ومتماسكة، ولم تزاول تعليمها بالمرحلة الإبتدائية كأترابها، نبذها المجتمع، وأمضت صِغرها في الشارع تلاحقها نظرات الإحتقار والاستهجان والتّنمّر.
تمتلك حياة بطاقة هوية تغيب عنها بعض المعطيات الشخصية التي من المفترض أن تتوفر فيها، كإسم الوالد، باعتبارها حالة اجتماعية. الأمر الذي أثر عليها سلبا ودفع الناس لينظروا إليها بريْبةٍ وازدراء محاولين تجنّب التّعامل معها قدر الإمكان خصوصا في رحلة بحثها عن عمل. كل هذه الأسباب ساهمت بشكل مباشر في تدهور حالتها النفسية وتعميق شعور الغربة واللاإنتماء إلى الوطن داخلها.
لسنوات طويلة ومريرة لم تنصفها الظروف التي فرضت عليها، ولا مجتمع مدني لجأت إليه مرات عديدة بلا جدوى، ولا قانون لطالما حاولت الاحتماء به من المعتدين والمتطفلين . وقعت فريسة الاكتئاب وحاولت الانتحار أربع مرات وفي كل مرة كانت المحاولة تنتهي بالفشل. رغم ما مرّت به من آلام لم تستسلم لليأس وأرادت النهوض وبدأ صفحة جديدة، مستمدة قوتها من طفليها اللذان يحتاجان وبشدة إلى وجود والدتهما لتعيلهما وتساعدهما على مواجهة مصاعب الحياة.
بعد الحادثة التي تعرضت لها المُعنّفة تحركت بعض الجهات المعنية بالأمر لمساندتها ودعمها. أبرزها جمعية النساء الديمقراطيات فرع القيروان، والمحامية ماجدة مستور التي أكدت من جهتها أنه قد تم الحكم مؤخرا بالسجن على بعض الأفراد الذين اقتحموا منزل حياة واعتدوا عليها بالعنف في جميع أنحاء جسدها أمام أطفالها القاصرين. وتراوحت الأحكام بين أربعة أشهر وعام وأربعة أشهر بالنسبة للشخص الذي هددها مستعملا سلاحا أبيض.
امرأة من المجتمع لم ترغب بشيء أكثر من موطن شغل يوفر لها حياة كريمة، وإسناد لقب والدها لتتجاوز بذلك احساس الاهانة والذل الذي كانت تتعرض له كلما سألها شخص عن هويته كاملة. وهو ما حرصت على تحقيقه الأستاذة المحامية التي تمكنت بعد اجراء أبحاث معمقة من الوصول إلى اسم الوالد كاملا وهي حاليا بصدد رفع قضية لدى القضاء لإجراء تحليل جيني واسناد لقب الى حياة