متابعة ناجح الزغدودي
يدرس المفكر، التراث ويسائله ويناقش الثوابت التي استقر عليها الفكر، بل ان المفكر لا يستقر على شي. والمفكر كالماء يجري لا يقر له قرار كما يقول محمود المسعدي، فالمفكر قلقل وعلى قلق دائم، يقول محمد المي في ترؤس جدوة فكرية بعنوان دور المثقففي مواجهة التحديات نوهو عنوان يثير السؤال عن ماهية المثقف ومن يمكن ان نطلق عليه صفةالمثقف بين التعريف القديم في ظل التحولات الراهنة وما هو مطروح على المثقف في العصر الحالي. وهل ما تزال نفس المفاهيم المطروحة قائمة ومطروحة على نخبة اليوم.
لا تبدو المسالة بديهية في ظل التحولات والتحديات الراهنة، فدور المثقف اليوم مواكبة ما يحدث ويخرج من عزلته وينزل من برجه ليكون هو الضوء المسلط على المجتمع ليساعد على تفكيك الاشكاليات التي يواجهها المجتمع.
وماذا نعني بالتحديث هل هي اقتصادية اجتماعية وسياسية ومدى حضور او تراجع المثقف ودوره امام السياسي وسلطته ومامدى تخلص المثقف والنخب من وصم “نكبتنا في نخبتنا” كتحديد اصبح بمثابة ملزما للنخبة فهل فعلا المثقف تراجع دوره بعد ثورة 2011، فاصبحنا لا نشاهد ولا نستمع المثقف في وسائل الاعلام مقابل هيمنة السياسيين الذين يخوضون في دور المثقف الذي تضاءل
طرحت الندوة قلقا ازاء ما يوصف بالتراجع وانزياح دور المثقف بين ثلة من المفكرين المشاركين في المداخلات والنشاط منهم المفكر يوسف الصديق والفة يوسف وزهير الذوادي وسالم بوخداجة
وكان الفضاء مناسبا، وهو المكتبة العمومية التي استقبلت جمهورا محترما من النخب المثقفة كما يتنزل الموعد الفكري مع اختتام مهرجان المدينة الذي نظمه مركز الفنون الركحية والدرامية
توصف المفكرة الفة يوسف بانها شخصية مثيرة للجدل من خلال حضورها الاعلامي وعلى شبكات التواصل الاجتماعية وهي تعبر عن شخصية المثقف الفاعل اجتماعيا وفكريا وفي تفاعل مع حراك المجتمع
تواصل المثقف مع المجتمع المتغير
تعتبر ألف يوسف في الحديث عن التحديات التي يواجهها المجتمع، ان المجتمع متغير باستمرار وتقول انه من خلال مشاركاتها في النقاشات المتتالية خصوصا مع الشباب، تتحاور معهم في قضايا متكررة ويعاد الحديث فيها، ومع ذلك تعتبر ان تكرار طرح الموضوع ليس مقلقا خاصة في ظل التحولات الاجتماعية وتغير الوسائط (الميديلوجيا) وتحول الوسيط، يؤثر في بنية المجتمع وبنية التواصل، فيظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح النقاش العام.
وتطرح الفة يوسف انه اصبح للمواطن نفس القدرة للمثقف على الكتابة والنشر م فارق بسيط هو الراس المال الرمزي للمثقف الذي ما يزال موجودا وهو يعطي المثقف اعتراف من المجتمع بعض الرمزية.
واعتبرت ان ما يوصف بالوصف نكبتنا في نخبتنا، هي ابتعاد المثقف عن الخوض في الشان العام وقالت ان الناس في شوق الى سماع الى المثقف واعطت امثلة عن مفكرين جذبوا الناس من خلال حضورهم الاعلامي.
واعتبرت ان الوصم في حد ذاته يحمل في طياته قيمة للمثقف وان هذا الخطاب هو استدعاء لقيمة المثقف ودعوته الى العودة من جديد اعتراف بقيمتهم. واعتبرت ان المخيال الجمعي في تونس وفي البلديان العربية، ما يزال يحتر الراس المال الرمزي للمثقف حتى وان تعرض للاعتداء او انتقد او سحل كم تقول.
غير ان هناك تحديات اخرى امام المثقف وهي الذهاب الى الناسعن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وعن طريق اللقاءات المباشرة وعبر وسائل الاعلام. واعتبرت ان اللقاءات ضمن ورشات مدرسية ونوادي ثقافة، كشفت حجما كبيرا لتعطش الشباب الى النقاش. ودعت المثقف الى ان يكون في علاقة جدلية مع الناس وان ينزل من عليائه الى الناس ليتطيع، ان اراد التأثير في المجتمع والتحولات الاجتماعية، وان يكون في علاقة أفقية وليس عمودية.
ودعت الفة يوسف المثقف الى استرجاع الفضاء العام من خلال وسائل الاعلام، وهي رؤية وتمثل ضروري رغم ما قيل من انه يفقد المفكر ألقه وقيمة علمه

ان تجاوز تغير مركز الخطاب اصبح ضروريا في ظل تنوع الخطابات ومنصات الخطابات، ليتمكن المثقف من استثمار الراسمال الرمزي ليتمكن من التغيير والتنوير
واعتبرت انه من المشاكل المطروحة، هي مسالة التقدم من عدمه في الخطاب, واعتبرت ان الحديث عن نفس الموضوع لا يعني انه ل يعالج وانما يسجل اختلافا من ناحية حجم القضية، مثل عودة قضايا تعدد الزوجات والمساواة
تجديد القراءة
وضع المثقف اليوم خطير وهام وعليه ان يكف عن جلد نفسه كا يجلده الناس والافضل ان يذهب الى الناس ويبحث عن الخيط الناظم الوسيط للتواصل مع الناس وقالت انه يمكن التواصل مع الناس وان كان هناك عنفا وسبا، فان العنف يحملل في ذاته اعتراف ويمكن ان يكون ارضية حوار واعتبرت ان على المثقف ان يندرج في الرؤية الحديثة والانزياح عن افكار الماضي.
المفكر يوسف الصديق، يعود الى القيروان بعد 11 عاما من تعرضه الى الاعتداء خلال ندوة فكرية، عرف لدى العامة بافكار مثيرة للنقاش الى حد الجدل. ويحظى بالاستماع والانتباه بما راكمه من حضور اعلامي متكرر وبما يطرح من افكار تمس احيانا المعتقد والمسلمات خاصة في طرح سؤال هل قرأنا القرآن
درس يوسف الصديق في القيروان وقضى سنتين مدرسا في معهد المنصورة في عامي 1970-1972. قال ان المثقف يجتهد ويذهب الى اقصى جهده في محالة التغيير في المجتمع
وطرح الصديق جملة من الاسئلة ضمن سؤاله المركزي، هل قرانا القرآن، تخص جوانب لغوية ونحوية وبعض مضامين الايات والصلة بينها وبين اقوال فلاسفة اليونان وتشابها لغويا ورمزيا يثير في المفكر حيرة بهدف البحث عن اجوبة لم تتحقق بعد
ودعا الى التعمق في الفهم الفلسفي للمنطوق والجمل المذكورة متشابهة وتسائل عن الحكمة من بعض الرموز اللغوية المضمنة في القران الكريم ودعا الى مزيد فهمها فهما جديدا مختلفا عن تفسيرات الفقهاء السابقين
واشار الى ان الراسمال الرمزي، وبصفته مختص في اللغة والحضارة اليونانية ويهتم باللغات ورموز اللغات، تتشابه في منطوقها ومعناها بين اللغة الفرنسية واللغة العربية. كما طرح اسئلة بشان استعمال لغة سنبلة وسنبلات وسنابل وما الحكمة في ذلك وما مصدر هذه الكلمة وكيف دخلات عبارات مثل سيما وكلمة زخرف التي تتكلم من كلمتين
ان اعادة التفسير والفهم المستجد يبدو لدة يوسف الصديق مطلبا ملحا بعد عقود من الترجمات والتفسيرات السابقة وتنزيل كل فهم في سياقه وواقع.
هل فقد المثقف سحره
من جانبه اعتبر المفكر زهير الذوادي انه لا اضافة اليوم للعلم بتعريف المثقف، لان المثقف هو المثقف وهو انسان لديه افكار ويتدخل في ما لا يعنيه كما يقول سارتر اي ان المثقف مهما كان تخصصه الاكاديمي والمعرفي، فانه لا يمنعه من الخوض في الحياة العامة ومناقشة قضايا المجتمع
لكنه اشار الى تغير ادوار المثقفين مع التحولات الاجتماعية، واصبحت الانتيلجنسيا التي تتراوح بين المثقف العضوي والملتزم، فان كل شخص لديه زاد معرفي وقدرة تحليلية، ان يتدخل في الشان العام
وقال انه في السابق كان السلطان يحتاج الى المثقف ليضفي شرعية على سلطته، للسيطرة على المجتمع، من خلال قوة الاقناع، فان هذا الدور تغير في ظل قوة المال والاقتصاد وقوة الاتصال،ما يفرض على المثقف دورا، مستقلا، لانه لم يعد ضروريا لدى السلطان
كما اشار السيد الذوادي الى ان دور المثف مال الى دور الخبير وليس عن رؤى او مالات او دور فكري او فلسفي، وانما في العصر الحديث المعولم، دوره جزئيا يكون تحت الطلب وليس من مبادرة ذاته وشببه بالعصر القديم كدورة تعيلمي
واشار الى تدرج المجتمع الى الدور غير الفاعل للمثقف وتراجع تأثيره وشعبيته ولم يعد المثقف بذات القدر الذي كان عليه المثقف في عصور سابقة
فمثقف القرن 19 والقرن العشرين كان لتزما بالحقيقة وبالدور الفكري والاجتماعي، في الدول انطلاقا من الالتزام القيمي او الحزبي، اما اليوم مثقفي العصر الحالي لا يتصفون بهذه النزعة والنزاهة بسبب العوامل المادية وطغيان الربح والتوظيف العلمي للمفكر الذي يطلب منه التفكير مقابل معلوم خدمة الخبرة
بل وذهب الى ان الفنان اليوم ولاعب كرة القدم اصبح دوره وقيمته اقرب الى الناس من قيمة المفكر وذلك بسبب تاثير نموذج النجومية لرموز الفن والرياضة واصبح هو المعيار لتحديد الدور والقيمة الاجتماعي
هذه الرؤية المتنوعة بشان تصور دور المثقف، تعكس واقيا وعي المثقف بشروط وجوده ودوره وتمثله لمفهوم النخبة من جهة،كما يتصل الدور بالقدرة على التواصل من جهة واندماج المفكر في محيطه الاجتماعي وعيه بالتحديات التي يواجهها موقع النخبة في ظل التحولات الرقمية وتحولات العولمة الفكرية الخاضعة للمنافسة ضمن مجال اجتماعي، لم
.يعد فيه الكتاب هو وحده وسيلة التواصل ونشر الافكار
عصر التنوير العربي؟
من جهة تحدث الدكتور سالم بوخداجة في سياق الندوة الفكرية عن المثقف والتحديات، راوح في الحديث عن الدور المثقف بين العصر الحالي وبين دور المفكر سابقا وتحديدا فترة العشرينات التي اعتبرها فترة غريبة او عجيبة ووصفها بفترة عصر الانوار الحدث من خلال جملة ن النخب الفكرية التي تعاصرت وتنافذت بين الشعوب العربية وكيف ان ظهورهم الذي طرحته ظروف موضوعية، اسست لأرضية فكرية استنوارية ناقضت في مقولتها الطرح التقليدي في التعليم والسياسة.