×

متلازمة الحرارة والحرائق ومراجعة منظومة التوقي والانذار المبكر

متلازمة الحرارة والحرائق ومراجعة منظومة التوقي والانذار المبكر

تقريرصحفي ناجح الزغدودي

شهر جويلية وتحديدا نصف الثاني اصبح ملازما لنشوب حرائق الغابات في مختلف غابات وجبال البلاد التونسية من الشمال الى الجنوب اضافة الى حرائق متفرقة هنا وهناك. هذا الحرائق المتكررة والمتعددة تستوقف المتأمل للنظر في الاسباب من جهة واقتراح الحلول في ظل ارتفاع درجات الحرارة المرتبط بالتغيرات المناخية. وبالتالي وجب مواكبة هته التغيرات بتطوير آليات التوقي والمراقبة واليات التدخل ومجابهة الحرائق التي اصبحت مرهقة ومكلفة بشريا وبيئيا وتهدد بشكل مطرد البيئة وحياة الافراد والمجموعات خصوصا متسكاني المناطق المتاخمة للغابات المتضررة من الحرائق.

كانت الغابات تغطّي في القديم تقريبا كامل التراب التونسي ماعدا المناطق الصحراوية، وكان المسافر يمرّ من الشمال إلى الجنوب ولا يغادر ظلال الغابات والأشجار. وفي بداية العهد المسيحي كانت مساحة الغابات تقدّر بثلاثة ملايين من الهكتارات إلاّ أنّ هذه المساحة بدأت تتقلّص بتأثير عوامل عدّةأهمها:

  • القضاء على الغابات لبعث المزارع وحراثة الحبوب، وبدأت تتسع الأراضي الزراعية لانتاج الحبوب في عهد الرومان الذين حولوا الأرض التونسية إلى “مطمورة روما”، ثمّ في عهد الاستعمار قضت الإدارة الاستعمارية على أكثر من نصف مليون هكتار من الغابات بالوسط التونسي لتوزيعها على المعمرين وحراثتها.
  • ضغط الحيوانات من الغنم والماعز على كساء الغابات وازداد هذا الضغط منذ أنّ انتقلت قبائل بني هلال وبني عامر وبني زعبة إلى إفريقية قادمة من الجزيرة العربية، “وعاثت في إفريقية فسادا” حسب قول ابن خلدون.
  • الضغط السكاني والبشري، وقد ازداد هذا الضغط حدّة على الغابات في الشمال لمّا انتزع المعمّرون الفرنسيون أراضي الفلاحين التونسيين وأجبروهم على اللّجوء إلى الأراضي الجبلية والغابية.

وبوجه عام تسبّب تقلّص الغابات في انجراف التربة الخصبة وبعث فيضانات متكرّرة اجتاحت السهول والمنبسطات وأصبحت الأمطار الغزيرة لا يحدّ من سيولها السريعة لا شجر ولا حجر، فدمّرت البلاد والعباد.

توزيع الغابات في الوقت الحاضر[عدّل]

في هذا التقرير الصحفي البحثي رصد لابرز حوادث الحرائق في ولاية القيروان وتشخيص لابرز الاسباب المتكررة وايضا تقديم لجملة حلول ومقترحات عملية منها القريب العاجل المتمثل في التدخل والمجابهة ومنها الاجل المتصل بمنظومة التوقي والانذار المبكر باستعمال معطيات رقمية وبيانات وايضا باعتماد خطوات بيئية منها التحسيس والتوعية والشراكة الفاعلة واعادة التشجير وتشجيع الاقتصاد الاخضر وحصن استغلال الموارد الغابية.

مع كل صائفة اصبحت عديد المناطق في تونس، شأنها عديد الدول مثل كندل واليونان واستراليا وغيرها، على موعد مأساوي مع حرائق الغابات المدمرة للنظم البيئية واثارها على المساحات الخضراء وعلى الانبعاثات الغازية. وتتعدد تحليلات الخبراء لهذه الحرائق واسبابها حسب كل نظام وحسب الخلفيات السياسية أو العلمية بين من يعتبرها ظاهرة طبيعية ومن يعتبرها فعل انساني قصدي ونفعي من مخلفات الثورة الصناعية واستزاف الطبيعة وبين ما يشير صراحة الى انها فعل اجرامي وارهابي له غايات سياسية متصلة بانظمة الحكم.

في 24 جويلية 2021 نشب حريق في غابة محمية زغدود بالوسلاتية، وهي محمية بيئية تحتوي على نظام بيئي ايكولوجي، وتتمتع بمراقبة من ادارة الغابات، وادى الى اتلاف مساحة غابية تتراوح بين 600 الى 1 الف هكتار من أشجار الصنوبر والاعشاب الغابية. وقد بذلت جهود كبيرة من فرق الحماية المدنية واعوان الغابات قبل تدخل طائرة عسكرية وذلك بعد ساعات طويلة من تمدد النيران. ولم يكن تدخل الطائرة منذ البداية بسبب غياب بيانات يمكن ان تبني توقعات ويمكن على اساسها التخطيط للتدخل. فهل يكون غياب التخطيط عنصرا مساعدا لانتشار الحرائق وانتشارها على مساحات واسعة.

نفس المحمية وفي نفس التوقيت، تشهد بعد عامين حريقا كبيرا وتخلف خسائر فادحة في المساحات الغابية.

قد تبدو الخسائر الغابية غير ذات قيمة وقد لا تحتسب من ضمن الخسائر. اذا سيقول سكان المدينة بصفتهم اغلبية السكان، لا مشكل ف نشوب حرائق في الغابات المهم لا توجد خسائر بشرية كما حصلت في دول اخرى مثل الجزائر واليونان. طبعا الخسائر البشرية موجعة ومحزنة ومفجعة للاهل وللبلاد وهي اقصى الفواجع والخسائر وربما اقسى من فواجع الطراقات التي تحدث يوميا

تُعتَبر حرائق الغابات (المعروفة أيضا باسم حرائق الأدغال أو حرائق البراري أو حرائق الأحراش) من الحرائق الكبيرة وغير المنضبطة، ويحتمل أن تكون ذات تأثير مدمِّر في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء. ويمكنها الانتشار بسرعة، وتغيير اتجاه استشرائها، بل و”القفز” عبر مسافات كبيرة عندما يتطاير جمرها وشررها لتحمله الرياح لتُزيد من رقعة انتشارها. وقد تنجم هذه الحرائق عن مجموعة من الأسباب الطبيعية (مثل البرق) أو عن إهمال الإنسان (مثل إلقاء أعقاب السجائر المشتعلة على الأرض). ويعتمد انتشار حرائق الغابات على تضاريس الأرض والوقود المتاح (الغطاء النباتي أو حطام الأخشاب) والأحوال الجوية (اتجاه الرياح وسرعتها ودرجة الحرارة). ويمكن لحرائق الغابات أن تندلع في ثوانٍ معدودةٍ لتتحول إلى جحيم مستعر في غضون دقائق.

من جانبه قال الدكتور أحمد عبد العال، رئيس هيئة الأرصاد الجوية في مصر سابقا، إن ما يحدث من حرائق في الغابات في هذه الفترة والفترة السابقة وراءها عمل إنساني، فهذه الحرائق ليست طبيعية، فالطبيعة بريئة من هذه الحرائق، لافتا إلى أن رئيس الجزائر، عبد المجيد تبون، أشار إلى وجود عمليات ارهابية وراء الحرائق في الجزائر، كما شهدت بلدان مثل تركيا والبرازيل، حرائق يعتقد أنها من صنع الإنسان وليست الطبيعة.

تأثير ارتفاع حرارة الأرض

ويشير الدكتور عبد العال إلى أن “ما يحدث من حرائق ستكون له تداعياته، وسيعجل بالتغير المناخي لأنه سيزيد من كم الغازات والملوثات في الجو التي تزيد من الاحتباس الحراري، وبالتالي وتيرة ارتفاع درجة حراراة الأرض ستكون أسرع مما كان منتظر، والعالم أجمع خلال اجتماع لجنة  الحد من التغيرات  المناخية  في ديسمبر 2015 في باريس، على ضرورة ألا تزيد درجة حرارة الأرض عن درجة ونصف، لكن هذه الحرائق ستجعل ارتفاع الحرارة يزيد بسرعة جنونية تؤدي لعواقب وخيمة تؤثر على العالم كله وليس دولة بعينها، فبعض القارات وبعض الدول ستشهد عصرا جليديا، فيما ستعاني مناطق أخرى من التصحر وكل دول العالم تعلم أن ارتفاع درجة حرارة الأرض درجتين سيؤدي إلى كارثة بلا شك”.  

يتوقع تقرير صدر حديثا أن يؤدي تغير المناخ، وتغير استخدام الأراضي، إلى زيادة تواتر حرائق الغابات وشدتها، مع زيادة عالمية في الحرائق الشديدة بنسبة تصل إلى 14 في المائة بحلول عام 2030، و30 في المائة مع نهاية عام 2050 و50 في المائة بحلول عام 2100.

هذا ما ورد في تقرير جديد لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وGrid-Arendal وهو مركز اتصالات بيئية غير ربحي.

ووجد تقرير الانتشار كالنار في الهشيم: التهديد المتزايد بحرائق غير عادية للمناظر الطبيعية خطرا متزايدا حتى بالنسبة للقطب الشمالي ومناطق أخرى لم تتأثر من قبل بحرائق الغابات.

ودعا إلى إحداث تغيير جذري في الإنفاق الحكومي على حرائق الغابات، وتحويل استثماراتها من رد الفعل والاستجابة إلى الوقاية والتأهب.

ويدعو التقرير الحكومات إلى اعتماد “صيغة جاهزة للتعامل مع الحرائق” مع تخصيص ثلثي الإنفاق للتخطيط والوقاية والتأهب والتعافي، وثلث يتبقى للاستجابة.

في الوقت الحالي، تتلقى الاستجابات المباشرة لحرائق الغابات عادة أكثر من نصف النفقات ذات الصلة، بينما يتلقى التخطيط والوقاية أقل من واحد في المائة.

وأشارت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنغر أندرسون إلى أنه غالبا ما تضع ردود فعل الحكومة الحالية على حرائق الغابات الأموال في المكان الخطأ.

وقالت” يحتاج عمّال خدمات الطوارئ ورجال الإطفاء على الخطوط الأمامية الذين يخاطرون بحياتهم لمكافحة حرائق الغابات إلى الدعم. علينا تقليل مخاطر حرائق الغابات الشديدة من خلال الاستعداد بشكل أفضل: الاستثمار أكثر في الحد من مخاطر الحرائق والعمل مع المجتمعات المحلية، وتعزيز الالتزام العالمي لمكافحة تغير المناخ.”

من خلال الدراسات العلمية وراي الخبراء نتبين ان حرائق الغابات سيكون لها انعكاس بيئي خطير على المدى القريب وايضا على المدى البعيد. وتقلص النسيج الغابي سيكون هو بنسفه عنصر ملاءمة للحرائق وايضا ارتفاع نسبة الكربونحراء الحرائق ونقس المساحات الغابية سيؤدي الى اضطرابات في النظام البيئي.

مقترحات عملية

من وسائل التصدي للحرائق، وهي طرق تقليدية قديمة، هي الحواجز وحرث خطوط طولية في المرتفعات والجبال ما يساعد في عزل قطاعات من المساحات الغابية عن بعضها البعض. وهذا يحد من انتشار النيران عند نشوف الحريق ويمكن اليات الاطفاء من سهولة التدخل وايضا القدرة على الوصول الى مركز الحريق.

مراصد المراقبة او ابراج المراقبة كانت التقنيات المستخدمة في مراقبة الغابات وتساعد على تامين الكشف المبكر وبالتالي الانذار المبكر لتسريع التدخل.

مع تطور التكنولوجيا يمكن ان يتم استخدام نظم مراقبة ااكثر تطورا سواء عبر كاميرات مراقبة او عبر تمكين حراس الغابات من اجهزة تواصل لاسكلية ورقمية وايضا يمكن اعتماد تقنية الدرون او الطائرات الاستكشافية الصغيرة.

من جهته يعتبر الخبير البيئي فرحات حشاد ان منظومة التدخل ما تزال منقوصة على مستوى التجهيزات والوسائل وايضا على مستوى المنظومة والاليات.

كما هو معلوم توجد لجان مجابهة الحرائق او الكوارث الطبيعية، وهي لجان ادارية سواء كانت جهوية او محلية.مجلس الامن القومي كما يمكن ان ينظر في اليات مجابهة الحرائق والتدخل والاستجابة السريعة والتوقي والانذار المبكر والتصدي بمختلف الوسائل للفاعلين والحوادث

ما تزال منظومة المراقبة والتوقي والتدخل تقليدية وتعمتمد على وسائل تقليدية سواء في المراقبة، عبر اعوان الغابات الذين يتجولونعلى متن دراجات نارية وباتسعمال شبكة اتصالات.

كما يتم التدخل الاول في الصف الاول عن نشوب حريق بطرق بدائية عبر صهاريج ومستوعبات مائية احيانا لا يوجد بها ماء بسبب صعوبة تزويدها اي انها ليست مستعدة للطوارئ وتنتظر وصول شاحنات الاطفال مختلفة المستويات.

كما لا يتم تقديم البيانات الدقيقة منذ البداية بشان الحريق بسبب غياب مختصين وخبراء يمكن ان يقدموا مؤشرات علمية يتم بموجبها تحقيق حجم التدخل وشكله ووسائله. اذا ان اغلب الحرائق ومنها اخر حريق بمنطقة ملولة بولاية طبرقة، كانت تدخل طارة تابعة للجيش الوطني هي التدخل الحاسم لنه جاء اخر المطاف وفي اخر لحظة ما يعني انه الاجراءات الادارية المعقدة لا تخدم مصلحة التدخل السريع.

وكخلاصة لذلك يمكن التأكيد مرة اخرى فيحريق محمية زغدود بالوسلاية، بعد ان اتلف الحريق اكثر من 500 هكتار، حسمت طائرة الامر ومكنت من اطفاء الحريق لكن في اخر وقت من عملية الاطفال.
في حريقملولة بطبرقة، ايضا تدخل الطائرة كان حاسما ولكن بعد ساعات من مصارعة اعوان الحماية المدنية للنيران وبعد خسارة مساحات كبيرة وتضرر السكان.


الخلاصة: الطائرة هي التي تحسم الحراق الكبرى فلماذا لا يتم ادخالها في عملية الاطفاء منذ البداية والساعات الاولى،هل يوجد تعطيل اداري ام ان منظومة الانذار لا تستجيب بسرعة ام هناك ضعف امكانيات.
حرائق متكررة كل عام ووجب الاستعداد لها بشكل كبير افضل مما هي عليه الطرق والمنظومة والبيروقراطية الادارية الحالية

مشهد العجز عن السيطرة على الحرائق والخسائر في الثروة الغابية نباتية كانت أو حيوانية؛ بالإضافة الى تراجع التنوع البيولوجي نتيجة هذه الحرائق خاصة عندما يتعلق الأمر بالأصناف المحمية نبه المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من تنامي ظاهرة التغيرات المناخية التى يجب مواجهاته بسياسات تأقلم ناجعة توفر لمن هم في الصف الأول في مواجهة هذه التغيرات الأمكانيات البشرية واللوجيستية اللازمة للتصدي لها.
وجدد تأكيده على النقص البشري الفادح في صفوف أعوان الغابات بخروج العديد منهم على التقاعد بالإضافة الى افتقارهم الى التخصص اللوجيستي في سياقة الشاحنات الثقيلة وكل ما يتطلبه التدخل في حال نشوب حريق ولضمان تسهيل عملهم وحمايتهم

إرسال التعليق