×

العائلات القيروانية الفقيرة والمواد المدعومة: الحق الموعود والغذاء المفقود

العائلات القيروانية الفقيرة والمواد المدعومة: الحق الموعود والغذاء المفقود

تحقيق: ناجح الزغدودي

“لم أتزود بأية مادة من المواد المدعمة منذ أشهر رغم تواصلي مع المعامل والادارة الجهوية للتجارة للحصول على  حصتي لكنهم يقولون لي لم يات دورك بعد”. تقول بسمة عياشي صاحبة شركة مواد غذائية بالقيروان وتزعم في المقابل انها متوفرة في السوق السوداء بأسعار مشطة. وأكدت انها تقدمت بشكاية ضد المدير الجهوي للتجارة بالقيروان لدى المحكمة الابتدائية بالجهة على خلفية ما وصفته ب”حرمانها من حصتها من المواد المدعمة”.

أمام فضاء شركة بسمة حضر عدد من أصحاب محلات العطرية (حرفاؤها المسجلون لديها) بدورهم يسألون عن الزيت وغيره من المواد المدعمة فتشير الى صناديق الزيت الفارغة قبل ان تقرر بسمة اخفاءها وتوجه رسالة الى الجهات الرسمية بضرورة التدخل لحل المسالة (فيديو). 

يتأكد فقدان او غياب المواد المدعمة عن الفضاءات التجارية بشكل متواتر في ولاية القيروان، بينما تنشط في الخفاء سوق موازية لنفس المواد. وتباع بأسعار مضاعفة وتزيد تكلفتها في اثقال كاهل المواطن الى ضعف القيمة المالية التي كانت الأسر تخصصها للمواد الغذائية بينما يذهب فارق السعر الى جيوب المتربحين رغم القوانين وغم المراقبة.

وبالرغم من التقارير الرقابية اليومية حول حجز مواد غذائية مدعومة، يتواصل فقدان المواد المدعمة من المحلات المراقبة بينما تزدهر في أماكن اخرى تبدو أعلى من القانون وخارج دائرة المراقبة أو اكثر منها قوة بل وتسجل حضور عديد الأطراف منهم من يفترض فيه قاتونيا أنه جهة رقابية او عون تنفيذ القانون وسط حديث عن شبهات رشوة مقابل تأمين حماية للمخالفين كما أشارت صاحبة الشركة بسمة (شهادة بسمة).

وسط هذه الأوضاع التي تتباين فيها الآراء وتشتد فيها النزاعات القانونية والحقوقية، يمكن ان نفهم بشكل أولي أن ضعف مراقبة توزيع المواد الغذائية المدعمة، في ولاية القيروان ما بين سنتي 2021 2023، شجع الاحتكار والترفيع في أسعار الزيت المدعم والسكر وغيرها من المواد المدعمة بأضعاف سعرها الحقيقي وحرم المواطن من حقه في الدعم الموجه اليه رغم تضاعف قيمة التعويض خلال هذه الفترة.

وهو ما يفضي الى التساؤل عن مدى تطبيق القوانين المنظمة لعملية توزيع ومسالك التزود بالمواد الغذائية المدعمة؟

وما إذا كانت الآليات الرقابية الحالية منها مرسوم مكافحة الاحتكار، تمكن من ضمان وصول المواد المدعمة الى الاسر في القيروان؟

من المستفيد الحقيقي من الدعم الذي تخصصه الحكومة ان لم يكن يذهب الى مستحقيه؟ وهل وزارة التجارة بصفتها المشرف الأول على توريد وتوزيع المواد المدعمة توفر الكميات اللازمة لاحتياجات المواطنين أم أن بعض الأزمات خلقت اضطرابات في التزود وفتح نقص الكميات، باب السوق السوداء على مصراعية وشجعت على الاحتكار واستغلال ثغرات المراقبة. 

نسعى في هذا التحقيق انطلاقا من الشهادات والتقارير الرقابية الإحصائية والبيانات المتوفرة، إلى التأكد من صحة فرضية وجود تلاعب بالمواد المدعمة بسبب عجز آليات الرقابة وكيف أفضى عدم وصول المواد المدعمة الى الاسر، الى ارتفاع تكلفة المواد الغذائية وتضاعف اسعارها واثقالها كاهل المواطنين، بينما ينعم المتربحون بفارق السعر.

تدعم تونس الخبز والسكر والزيت النباتي ومشتقات الحبوب، في حين يتم تحديد تسعيرة موحدة للقهوة والشاي والأرز، وخصصت موازنة عام 2023 نحو 2.52 مليار دينار (828 مليون دولار) لدعم المواد الأساسية مقابل 3.77 مليار دينار (1.24 مليار دولار) عام 2022 بتخفيض يساوي 1.24 مليار دينار (407 ملايين دولار) بنسبة 33 في المئة، في تجسيد لبرنامج الحكومة لإصلاح دعم المواد الأساسية، وهو ما يفسر تراجع كميات المواد الغذائية المدعمة منها الزيت والدقيق والسكر. وهذا التخفيض كانت له تداعيات على وفرة السلعة وتوازن العرض والطلب.

في ظل حالة الشح والنقص الكبير، أصبح توفر المواد ولو بكميات قليلة،  حدثا تتناقله وسائل الإعلام وأصبح وصول الزيت او السكر او الفارينة خبرا يسري اكثر من سريان الشائعة ويجمع المواطنين في لحظات أكثر من أي حدث وطني آخر. إلى جانب مواد أخرى اساسية يشرف ديوان التجارة على توريدها وتوزيعها وهي الأرز والقهوة وتراوح مكانها بين التجلي والتخفي. 

وأصبحت الفضاءات التجارية بمدينة القيروان، (خلال الاشهر الاخيرة لسنة 2023)، تتشكل بها طوابير وتسابق المواطنين نحو الظفر بكيلو سكر وهو أعلى سقف يحدده صاحب المحل. ووصل الأمر إلى حالات من الفوضى والسلب عندما على غرار تعرض شاحنات توزيع السميد الى السطو والاحتجاز من قبل مجموعات مواطنين رغم تواجد أعوان الأمن.

المخابز في القيروان أصبحت منذ عيد الفطر المنقضي (2023)، تشهد اضطرابا في تحويل الخبز من ناحية المواعيد والكميات بسبب عدم تزودها بحاجياتها من المواد الأولية سواء الفارينة المدعمة بالنسبة للمخابز المصنفة او السميد والفارينة الرفيعة بالنسبة للمخابز غير المصنفة. وفسرت المطاحن ذلك بضعف المخزون وتراجع الشراءات بنحو 30 بالمائة.

وتبعا لذلك لم ينج الخبز من الترفيع في الأسعار في خضم هذه الازمة التي تجمع بين أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية ومناخية وايضا أبعاد اجرائية وقانونية. 

فتبيع بعض المخابز رغيف الخبز بضعف ثمنه، وهي التي لا تحصل على فارينة مدعمة. وقد أربكت وضعية المخابز قفة المواطنين بشكل ملفت تمثل في معارك أمام المخابز ونداءات استغاثة من المواطنين. 

هذه الوضعية جعلت رئيس السلطة التنفيذية (قيس سعيد)  يتحدث عن لوبيات تبيع الخبز للمواطنين بدينارين. وقال خلال زيارته الى ديوان الحبوب “الخبزة بألفين في القيروان و المواطن البائس الفقير لا يجد حظه في بلده” بينما تتمثل الحقيقة في نوعية خبز (غير مدعم) وحجمه (وزن 2كلغ) وتصنع مخابز غير مصنفة ويصنع من السميد وتضاف اليه محسنات اي انه ليس الخبز المدعم والمسعر ب190 او 230 مليم.

أمام اشتداد أزمة الخبز التجأ مواطنون الى “خبز الطابونة” و”الملاوي” التي فتحت عشرات نقاط بيعه في القيروان. ويباع خبز الطابونة (غير مرخص) بسعر 600 مليم في الوقت الحالي بعد ان كان قبل ازمة الخبز ب400 مليم. والسبب هو “ارتفاع سعر كيس السميد الذي يحصلون عليه عن طريق وساطات ومن السوق السوداء بأسعار مضاعفة في ظل فقدانه من الفضاءات التجارية” حسب تبرير اصحاب محلات الطابونة واغلبهن من النساء، وهي قضية اقتصادية جندرية أخرى تشير الى دور المرأة في الحياة الاقتصادية والوضعية الاجتماعية الهشة.

“محلات الطابونة” تعتبرها إدارة التجارة فضاءات مخالفة للقوانين ولكن تتغاضى عن نشاطها بدعوى الحفاظ على السلم الاجتماعي أي خشية الاحتجاجات. وقد شهدت احدى الجهات حادثة تطبيق القانون ضد المرأة ضبط لديها كيس سميد وحظيت بدعم شعبي ضد حكم قضائي ضدها. واستقبلها رئيس الجمهورية لاحقا وقام بتكريمها. بل ان السلط الجهوية في القيروان اشرفت سابقا على توزيع معدات (جهاز طبخ وفرن)لصنع خبز الطابونة في شكل مساعدات أسرية لبعث مشروع عائلي. 

أمام تنامي الحديث عن تعمد مخابز الترفيع في اسعار الخبز، لاكثر من سعرها الحقيقي 250 مليم، يوضح عضو بالاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة، عبد اللطيف السبري، أن المخابز غير المصنفة أسعارها محررة شريطة الإشهار وأنها تختلف عن منظومة الخبز المدعم. لكنه أشار الى أن ملف المخابز والمطاحن شائك ومعقد في ما يخص حصص المخابز التي تتزود بها وتصنيف المخابز ومقدار كل حصة لكل مخبزة. ولم ينف وجود تلاعب وتجاوزات في التلاعب بمادة الفارينة والتي تكشفها عمليات المراقبة منها التفريط في فارينة مدعمة لفائدة محلات المرطبات أو مخالفة شروط صنف الخبز في الوزن والاسعار. 

ينظم قطاع المخابز و محلات بيع المرطبات بالقانون عدد 56  وذلك منذ استقلال البلاد والى اليوم. يبلغ سعر الدقيق المدعم 11,334 دينارا للكيس الواحد (50 كلغ) وتسدد منه الدولة 6 دنانير أما الدقيق الغير المدعم فيبلغ سعر الكيس الواحد 52 دينارا (50 كلغ).

حسب احصائيات وزارة التجارة  فقد بلغ عدد المخابز المرخص لها والمتمتعة بالدعم 3500 مخبزة منها 148 مخبزة في القيروان في الوقت ذاته ظهرت 1200 مخبزة عشوائية منذ 2011 حسب نفس الإحصائيات منها من 49 مخبزة في القيروان.

مؤطر

 تصنف المخابز في تونس الى صنفين.  مدعمة وهي مصنفة وغير مدعمة أي غير مصنفة

* المخابز صنف أ، التي تصنع الخبز الكبير وزن 400 غرام بسعر 230 مليم،تحت منظومة الدعم.

* المخابز صنف ج، التي تنتج خبز الباقات وزن 220 غرام بسعر 190مليم، تحت منظومة الدعم .

*المخابز غير المصنّفة، التي تنتج خبزا بوزن لا يتجاوز 150 غرام وتبيعه بأسعار حرّة إلى جانب صنع الحلويات وغيرها من المخبوزات.

ولم تمنع الأزمة من بروز أزمة أخرى وهي نشاط السوق السوداء التي تعرض فيها مواد مدعمة يمنع القانون مسكها وبيعها إلا بترخيص مسبق.

يشير منير حسين، عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، إلى أن النقص في الخبز والدقيق والسكر والقهوة والأرز أدى إلى تنشيط المضاربة والسوق السوداء.

فئة أخرى تأثرت بازمة المواد المدعمة وهم التلاميذ المقيمون بالمبيتات المدرسية بولاية القيروان. فعلي سبيل المثال لم يتم توفير الحليب للتلاميذ المقيمين بمبيتات طيلة السداسي الأول من السنة المدرسية ولم يتوفر إلا بعد عيد الفطر. بينما عرف التزود بالخبز اضطرابات أثرت على التلاميذ المكفولين من وزارة التربية من ناحية توفر المواد الغذائية أهمها المدعمة. 

من ناحية قانونية تم اصدار مرسوم مكافحة الاحتكار (مارس 2022) والمضاربة أي قبل عام من أزمة الخبز،https://legislation-securite.tn/ar/law/10523 والذي ينص في بابه الأول:  الفصل الأول – يهدف هذا المرسوم إلى مقاومة المضاربة غير المشروعة لتأمين التزويد المنتظم للسوق وتأمين مسالك التوزيع. ويفسر المضاربة غير المشروعة: كل تخزين أو إخفاء للسلع أو البضائع أيا كان مصدرها وطريقة إنتاجها يكون الهدف منه إحداث ندرة فيها واضطراب في تزويد السوق بها، وكل ترفيع أو تخفيض مفتعل في أسعارها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو عن طريق وسيط، أو استعمال الوسائل الإلكترونية ،أو أي طرق أو وسائل احتيالية.

اجرائيا، على أرض الواقع، تتواصل طوابير اصحاب محلات العطرية أمام شركات المواد الغذائية بالجملة حاملين صناديق الزيت المدعم فارغة (عدد 12 قارورة) قصد استبدالها فلا يظفرون الا بإجابة واحدة من الشركات  ومنها شركة بسمة العياشي التي تحدثنا عنها اول التحقيق، “لا يوجد زيت مازلنا ننتظر حصتنا من المصنع”. 

يتم تزويد محلات العطرية بصندوق او ثلاثة على أقصى تقدير من الزيت المدعم. يسع كل صندوق 12 قارورة. غير أن الحصة تتأخر لأشهر الى حين قدوم الزيت الى الشركة التي يتعامل معها ويتم تسجيله ضمن قائمة الانتظار.

ويقول أحد التجار انه جاء الى إحدى الشركات بعد ان بلغ الى سمعه وصول كمية من الزيت لكنه وجد ان الكمية قد نفذت ولم يصله الدور. ويشير التاجر الى انه اصبح يلهث وراء الزيت من شركة الى أخرى دون أن يتحقق طلبه. ويقول إنه يرى الزيت يباع ويسمع عن وصول كميات لكنه لا يمكنه الحصول على حاجياته.

ويواصل متهما المحتكرين بالقول: “الزيت المدعم يذهب إلى المطاعم واصحاب محلات المقروض والكفتاجي في القيروان”. فيديو صاحب محل عطرية

المدعم لغير مستحقيه

في مقابل فقدانها من قبل المواطنين، تظهر المواد المدعمة، الزيت والسكر والفارينة والسميد، لدى الحرفيين والصناعيين المتخصصين في صناعة الحلويات خصوصا المقروض الذي تشتهر به القيروان والمطاعم والاكلة الخفيفة خصوصا الكفتاجي وايضا نقاط بيع خبز الطابونة.

وهي أنشطة تتحدى المراقبة الاقتصادية والقوانين المنظمة للتزود وكراسات الشروط. وقانون توجيه الدعم الى مستحقيه من الأسر التونسية وتتجاهل مرسوم مكافحة المضاربة والاحتكار الصادر بتاريخ 20 مارس 2022، ما يفسر أن المواد المدعمة كانت ولا تزال لا تذهب الى مستحقيها وانها تقع بين أيدي مستفيدين من هامش السعر والفارق بين ثمن المواد المدعمة (زيت 900 مليم القارورة مقابل 7 دنانير القارورة غير المدعمة وكذلك بالنسبة الى فارق سعر السكر والفارينة ).

 ويتم الاحتكار والمضارب في تحد معلن لاعين المراقبة الاقتصادية. وتنتعش عمليات البيع المشروط او الترفيع في الاسعار او التفريط في المواد المدعمة لغير مستحقيه بأسعار مضاعفة وصل فيها كيس السميد فئة 20 كلغ، الى 22 دينار بدل 12 دينار. وصندوق الزيت 50 دينار بدل 10 دينارات. وكيس السكر 200 دينار بدل 70دينار.

وهذه الممارسات تخالف كراس الشروط المتعلق بتنظيم الاتجار في المواد الأساسية المدعمة من قبل تجار الجملة للمواد الغذائية القوانين بالرائد الرسمي.

ينص الفصل السادس على أن يلتزم بائعو الجملة ببيع المواد المدعمة حصريا لفائدة تجار التفصيل وفي حدود كميات معقولة تتوافق مع حجم نشاطهم.

كما نص على الامتناع عن بيع المواد الأساسية لأغراض صناعية أو غيرها من الاستعمالات الأخرى. ويلتزم تجار الجملة، بإدراج كافة الشراءات والمبيعات من المواد الأساسية المدعمة المنجزة يوميا وبصفة حينية بالمنظومات المعلوماتية المتعلقة بمتابعة استيراد هذه المواد، التي تشرف عليها وزارة التجارة أو مسك دفاتر الشراءات والمبيعات مرقمة وممضاة من قبل الإدارة الجهوية للتجارة. ويؤكد الكراس ضرورة تسليمها شهريا إلى الإدارة الجهوية للتجارة. 

ورغم حملات مكافحة الاحتكار المعلنة فإن المواد المدعمة لا تصل الى المواطن خصوصا بالمناطق الريفية التي لا توجد بها فضاءات تجارية كبرى وتمثل حوالي 70 بالمائة من سكان ولاية القيروان. ما يعني ان الاحتكار اما هو اكبر من المراقبة أو هو يخترق المراقبة”

الدعم تحول إلى عبء

تم إنشاء الصندوق العام للتعويض ضمن قانون املالية لسنة ،1971 عبر تخصيص 7 مليون دينار تونسي من ميزانية الدولة بهدف تمويل الصندوق العام للتعويض

و”يهدف إلى “دعم المواد الغذائية الأساسية للسكان” و”دعم القدرة الشرائية للمواطن” 

تقدر حصة الفرد من الدعم الموجه الى هذه المواد المدعمة سنويا بنحو  112 دينار حسب بيانات للمعهد الوطني للاستهلاك. لكن على أرض الواقع لا يتمتع المواطن بحجم هذا الدعم بقدر ما يدفع اضعافه للحصول على مواد غير مدعومة خصوصا الزيت الذي يصل سعره 9أضعاف سعر المدعم سواء في السوق السوداء او الزيت النباتي المعلب غير المدعم يتكبدها المواطن). والسبب هو عدم توفر الزيت المدعم بشكل متاح.

يقدر نصيب الفرد من الدعم الموجه لمادة الزيت المدعم ب 20.966   و10.412 بالنسبة للحليب ويتوزع المبلغ الباقي على جملة من المواد الغذائية منها الشاي والقهوة والسكر ب7.458.

أمّا بخصوص تذبذب الأسعار، فقد أشار إليه المعهد الوطني للإحصاء في أرقام نشرها خلال شهر أوت 2022 تؤكّد أوّلا ارتفاع الأسعار عند الاستهلاك بقيمة 0.4 بالمائة مقارنة بشهر جويلية، إضافة إلى عدم استقرار أسعار الموادّ الاستهلاكية، ثانيا، حيث بلغت نسبة التغيير السنوي في مادّة الزيت النباتي على سبيل المثال 21.4 بالمائة.

بين التخفي والتجلي

لئن كان دعم المواد الأساسية، موجه أساسا الى الاستهلاك الأسري، فإن نشاط السوق السوداء وما أصبح يعرف بالتلاعب بالمواد المدعومة، جعلها ضمن لعبة التجلي تارة والتخفي، وبين استغلال ثغرات قانونية ناهيك عن تمتع البعض ما يشبه الحصانة التي تجعله بمنأى عن التتبع القانوني في ظل ضعف اليات الرقابة ونقص دوريات المراقبة والاعتماد على الخط الأخضر للتبليغ والتعويل على تطبيقة رقمية للمراقبة عن بعد تقوم احيانا بمراقبة ما بعدية وليست فورية او انذارية. 

 من مظاهر السطو على قوت المواطن وحقه في المواد المدعمة، أنه توجد بولاية القيروان وحدة تصنيع زيت نباتي مدعم بطاقة إنتاجية تقدر ب480 طن شهريا. اي حسابيا يمكن ان تكفي 480 الف عائلة بحساب قارورة واحدة شهريا على الاقل. ومع ذلك لا يكاد الزيت المدعم يشاهد في محلات العطرية (في الأحياء) ولا في الفضاءات التجارية ولا لدى تجار البيع بالجملة الذين أكدوا أنهم توقفوا عن بيع الزيت المدعم بسبب المشاكل الكبيرة الناجمة عنه مقابل هامش ربح ضئيل لا يتجاوز 50 مليم في القارورة مقابل محدودية حصة محل العطرية (36قارورة عند وفرة هذه المادة التي أصبحت نادرة عبر المسالك القانونية).

وذكر مواطنون انهم اضطروا الى شراء قوارير زيت معلب غير مدعم ب6.900 مليم للتر الواحد بدل 900 مليم للقارورة المدعمة (سعة 90صل) ما يعني ان المواطنين ومنهم 35 بالمائة من العائلات المعوزة وفق المؤشرات الرسمية اضطروا الى زيادة نفقات المواد الغذائية جراء الترفيع في الاسعار. 

فالمواطن يضطر الى شراء نفس مادة الزيت ب9 مرات أكثر من ثمنها المدعم. وأمام هذا الفارق في الثمن، يتم إغراء المواطنين  بشراء نفس المواد من السوق السوداء بأضعاف الثمن (يتراوح بين 3 و5 دينارات لقاروة الزيت) ويقع المواطنون في هذا الفخ لكونه يمثل سعرا أقل من شراء المواد الغير مدعمة من المحلات التجارية.

في ولاية القيروان، تؤكد الادارة الجهوية للتجارة على انها لا تدخر اي جهد في مكافحة التلاعب بالمواد المدعمة والحرص على تزويد السوق بالحصص والكميات المطلوبة. بينما يبدو ان من يسرق القمح يغلب حارس يحرس المزرعة كما يقول المثل الشعبي (اللي يسرق يغلب اللي يحاحي) هذا إن لم يكن حارس القمح هي الدجاجة. 

“الاخلالات موجودة للأسف والتشكيات تصلنا على مدار اليوم ورغم المراقبة فإن المخالفات لم تتوقف”، يقول المدير الجهوي للتجارة بالقيروان عماد صنديد، الذي يباشر مهامه للعام الثاني على رأس الإدارة. 

وافاد أنه تتم مراقبة التوزيع لمنع وصول المواد المدعمة إلى الحرفيين والصناعيين الذين يحصلون على منح خاصة لاستعمال سكر صناعي وفارينة غير مدعمة (رفيعة) وزيت نباتي (علب بلاستيك). ويتم التزود بواسطة فواتير عن طريق مزودين معتمدين . كما يتم تنظيم عمل المخابز في الحصول على مادة الفارينة عن طريق المطاحن وفق حصص مبرمجة، ويمنع عليهم التزود من الفضاءات التجارية.   

ويفسر ان أشكال المخالفات والثغرات تتنوع سواء من محل البيع بالتفصيل او من شركات البيع بالجملة. موضحا ان تزويد السوق السوداء يتم عبر هذه المسالك بدل توجيهها الى المواطنين. واكد ان اصحاب المحلات يبيعون المواد المدعمة بأسعار مضاعفة امام كثافة الطلب عليها من قبل اصحاب محلات لا يحق لهم الحصول على المواد المدعمة.

منذ 30 مارس 2022، دخل مرسوم مكافحة الاحتكار حيز التنفيذ وتم بموجبه القيام بحملات مراقبة وحجز مواد غذائية متنوعة. وبخصوص تطبيق مرسوم مكافحة الاحتكار، اكد السيد صنديد أنه عند تكرار ما وصفه جريمة الاحتكار والمضاربة بالمواد المدعمة فإن المخالف يخضع للمرسوم الذي تصل عقوبته الى السجن مدة 20 عاما ومصادرة ممتلكاته. 

ولا تشير اية معطيات الى انه تم تنفيذ العقوبة السجنية خاصة وأن نسبة كبيرة من المحاضر تسجل ضد مجهول حيث يتم ضبط سلع ومواد غذائية بمخازن عشوائية ولا يتم التعرف على صاحبها. ورفض السيد المدير الجهوي الخوض في تفاصيل المحاضر والتهم المنسوبة معتبرا انها معطيات شخصية. حيث تكدست فوق مكتبه محاضر وقضايا موجهة الى المحكمة الابتدائية بالقيروان.

ويوضح السيد صنديد بخصوص مخالفات الترفيع في الاسعار وشبكات السوق السوداء، بقوله “يستغل بعض الأشخاص هذه الأوضاع لاحتكار المواد المدعمة عبر مسالك مختلفة ويعمدون الى الترفيع في الأسعار خاصة وأن الطلب على المواد المدعمة أصبح كبيرا في ظل النقص الذي شهدته البلاد وتأخر ديوان التجارة في توريد كميات من الزيت مرة ومن السكر وتراجع مخزونات المطاحن الامر الذي اثر على توفير السميد والفارينة. 

حيث يؤدي نقص الكميات المتوفرة (تراجع بأكثر من الثلث حسب أصحاب المطاحن)، الى السباق المحموم من أجل الفوز باكياس السميد التي نضبت من الأسواق بسبب شدة الطلب عليها من قبل مهنيي قطاع موازي جديد هو باعة “الطابونة” وادى التسابق المحموم الى الفوز بكيس سميد الى ارتفاع سعر كيس السميد (25 كلغ من 20 دينار الى 60 دينار بسبب التنافس المحموم.

ونفس الأمر شهدته العودة المدرسية مع الكراس المدعم امام تراجع حصة الكراس المدعم الى النصف ما جعل العائلات المعوزة تشتري الكراس ب 5 دنانير بدل دينارين. وحصل مع مادة الحليب نصف دسم وهو الحليب المدعم التي شهد ازمة  بدوره واضطرت الأسر الى شراء الحليب الدسم او انواع اخرى بسعر يتراوح بين 2300 و2700 للعلبة بدل 1350 مليم. ما يعني ان العائلة التي تستهلك علبة حليب يوميا اضطرت الى تخصيص ما بين 30 و45 دينار اضافيين على الحليب وحده وهو نصف حظ الفرد من المواد المدعمة.  

مراقبة…عمل المراقبة  

جهاز المراقبة الاقتصادية هيكل إداري تابع للوزارة المكلفة بالتجارة يعمل على تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وضمان التوازنات العامة للسوق وحماية مصالح كافة المتعاملين فيها 

شهد عدد السجلات التجارية الجديدة (تجار التفصيل/العطرية) طفرة كبيرة في عدد المتمتعين برخص وفق ما أكده أصحاب شركات بيع بالجملة. واغلب اصحاب الرخص الجديدة ينشطون فقط في مجال المواد المدعمة حسب شهادات اصحاب شركات البيع بالجملة. كما برزت شركات جديدة اصبح التنافس بينها محموما في الحصول على حصص المواد المدعمة واعتماد طرق مختلفة منها طرق غير قانونية. وقد تم التفطن الى مخالفات ارتكبتها شركات توزيع بالجملة وتعرضت الى الى عقوبة الغلق والحرمان من المواد المدعمة.

ونظرا لكون القانون لا يمنع اي شخص من ان يحصل على سجل تجاري لفضاء تجاري بع بالتفصيل، فان دور المراقبة الاقتصادية يتركز أساسا على مراقبة “حركية” بيع المواد المدعمة لتجار الجملة تتضمن قائمة المنتفعين من تجار التفصيل. وتتم المراقبة بشكل “ما بعدي” وليس حيني أي أنه عقابي وليس وقائي. 

وتقول بسمة العياشي التي أجرينا معها حوار للمرة الثانية بعد عام من أزمة المواد الغذائية جراء تداعيات جائحة كورونا، وعدنا اليها بعد حوالي عام، ان الوضع على حاله وان نفس الإشكاليات تراوح مكانها بسبب ما وصفته “غياب ارادة حقيقية لمراقبة وتنظيم عمليات التزود وغياب المراقبة الميدانية” قبل أن تتحدث عن وجود ما وصفته ب”شبكات” تلاعب المواد المدعمة وحديث عن “رشاوي مقابل حماية يتحصن به بعض المخالفين من اصحاب الشركات والدخلاء” وتؤكد أنها راسلت الجهات المعنية وقدمت تقارير الى الجهات القضائية والرقابية منها فرقة الأبحاث الاقتصادية بوزارة الداخلية وكذلك شاركت في تحرك احتجاجي أثناء زيارة رئيس الجمهورية الى القيروان طالب خلاله الرئيس بتعيين ما تعتبره اشخاص اكفاء في القيروان.

كم اشارت الى ان شركات معاقبة بسبب مخالفات سابقة في التلاعب بالمواد المدعمة، اعيد فتحها وحصلت على مواد مدعمة. في حين تمكن اخرون من اعاد فتح شركات جديدة رغم وسوابقهم. واكدت ان السلط الجهوية وادارة التجارة تعرفهم وتعرف انشطتهم المشبوهة.

أصحاب شركات مخالفون للقانون يتلاعبون بالمواد المدعمة وهم محميون تقول بسمة العياشي

بيانات المراقبة الاقتصادية في ظل المرسوم الرئاسي

https://commerce.gov.tn/statistiques-du-controle-economique_11_142
وفق تقرير رقابي لدائرة المحاسبات صادر سنة 2016 بشأن مخصصات الدعم واليات المراقبة، لم يبلغ مستوى الإنتاج الوطني من الحبوب والزيت النباتي والسكر الأهداف المرسومة بما يمكّن من التّقليص في التوريد نظرا لكلفته المرتفعة.
– مراقبة المواد الأساسية المدعّمةلا يتوفر لدى الدواوين في ظلّ المنظومة الحالية لرقابة المواد المدعّمة الآليات الضرورية للتأكّد من المخزونات الفعليّة من هذه المواد لدى المتدخّلين الخواص حيث تعتمد الدواوين ووحدة تعويض المواد الأساسية غالبا نظام التصريح ممّا لا يضمن حماية مصالحها والتثبّت من استعمال المواد المدعّمة في الأغراض المخصّصة لها.وتشكو مراقبة مسالك توزيع المواد المدعّمة من قبل المصالح المركزية والجهوية للوزارة المكلفة بالتجارة من غياب برنامج مراقبة خاص بها وعدم تخصيص الموارد المادية والبشرية الكافية للقيام بذلك.ويُدعى مختلف المتدخّلين إلى التّنسيق فيما بينهم ومزيد تكثيف آليات مراقبة تداول المواد المدعّمة وردع المخالفات المرتكبة في شأنها لضمان وصول الدّعم لمستحقّيه والتصدي إلى استعمال هذه المواد في غير الأغراض المخصّصة لها.
 

    

إرسال التعليق