هل أقصى المرسوم عدد 55 التونسيات من البرلمان ؟ أرقام صادمة لم تترجم تفاؤل المسؤولين

حسان النابتي
لم تتجاوز نسبة النساء الفائزات في الانتخابات التشريعية العام الماضي بدورتيها الأولى والثانية 16,2% من إجمالي المترشحين مقابل 83,8% من الرجال، حسب ما كشفت عنه أرقام صرحت بها الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات.
تشير هذه الأرقام إلى أن المجلس النيابي المنتظر تشكيله سيكون مجلسا ذكوريا بامتياز، حيث أن حظوظ الفوز بالنسبة للنساء كانت أقل بكثير من حظوظ الرجال، رغم أنها تتغير بتغير الدوائر الانتخابية باعتبار أن بعض الأخيرة لم تشهد ترشح نساء أو فوزهنّ في حين سجلت أخرى ترشيحات لنساء.
انتخابات تشريعية غريبة ومختلفة على مستوى المشاركة والنتائج
حسب عديد المتابعين لا تعتبر هذه النسبة الضئيلة لحضور المرأة في الترشحات مفاجئة بالنظر إلى كونها نتاجا طبيعيا لما أقره المرسوم عدد 55 المتعلق بتنقيح القانون الأساسي للانتخابات والاستفتاء عدد 16 لسنة 2014.
ينص القانون على اعتماد نظام الاقتراع للأفراد ويتغافل عن مبدأ التناصف في الترشحات في حين اشترطها في ما يتعلق بالتزكيات.
ونظام التناصف هو نظام يفرض مبدأ التساوي في العدد بين كلا الجنسين حيث تبلغ نسبة تواجد المرأة في الإنتخابات 50% وهي نفس نسبة الرجال. أما نظام التزكيات من أسسه أنه يفرض على كل مترشح قائمة تبلغ عددا معينا من الأشخاص يزكونه ليتمكن من تقديم ترشحه.
تبدو أسباب هذه النسبة التي وصفتها بعض الجهات النسوية بالمخجلة متعددة. إذ تتوزع الفرضيات وتتنوع ولعل أكثرها تناقلا إخلال القانون الإنتخابي والمرسوم عدد 55 بمبدأ التناصف.
ويزيل القانون الجديد المنقح سنة 2022 أحكام التناصف الجندري من قانون انتخابي سابق رسخ في دستور 2014 وسعى إلى ضمان التمثيل المتساوي بين الرجال والنساء في المجالس المنتخبة في تونس من خلال قوائم مترشحين تتضمن أعدادا متساوية من النساء والرجال.
وصرحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إن نسبة المشاركة النهائية في الدورة الأولى كانت تجاور 11,22 % وفي دورتها الثانية 11,3 % وهو رقم لم يسجل منذ انطلاق مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد حيث بلغت نسبة المشاركة في انتخابات المجلس التأسيسي 2011، 51,7 % و التشريعية، 2014 68,36 %، بينما بلغت تشريعية 2019، 41,70 %.

غياب دعم الأحزاب التي ساهمت في الانتخابات السابقة عن طريق اللوائح والقوائم اثر سلبا في الدفع بالمرأة وفرض تواجدها في المشهد السياسي. زاد التصويت الفردي بدل الحزب من تهميش الأحزاب ضمن أزمة سياسية مستمرة منذ أن بدأ الرئيس التونسي قيس بن سعيد في 25 جويلية 2021 فرض الإجراءات الاستثنائية التي تقوم على منع الأحزاب بالقيام بحملات انتخابية في حملات 2022 وحصر حق الترشح بالأفراد.
إضافة لذلك شهدت فترة ما قبل الإنتخابات اتهامات متبادلة وشد وجذب بين أعضاء هيئتي الانتخابات والاتصال السمعي والبصري في تونس أدى إلى عدم إصدار أي نص لقرار مشترك بخصوص التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية.
تجاوز الأمر عدم الاتفاق إلى إصدار كل هيئة منهما قرارا خاصا بها، مما خلق انقساما وتمزقا داخل المؤسسات الإعلامية حول التغطية الإعلامية. النقابة الوطنية للصحفيين بدورها حمست موقفها باصطفافها إلى جانب الهايكا معتبرة أن هيئة الانتخابات تصادر ولاية الهايكا على وسائل الإعلام السمعية والبصرية خلال تغطية الانتخابات بحجة أن لها الولاية الكاملة على المسار الانتخاب.
قانون إنتخابي أفرز مجلسا نيابيا ذكوريا ومرسوم لم يبذل جهدا في تشجيع المرأة على الترشح
حضور المرأة في المجلس الإنتخابية لم يتجاوز 25مقعدا من مجموع 154 مقعد في حين حظي الرجل ب 129 مقعدا.

ترشحت حنان السعيدي عن دائرة طبرقة عين دراهم ولاية جندوبة في الانتخابات التشريعية ديسمبر 2022 و تحصلت على المرتبة الثالثة في الجولة الأولى لكنها لم تفز بالكرسي النيابي في الجولة الثانية. تعتبر محدثتنا بأن “العقلية الذكورية” المترسخة في المناطق الداخلية كانت سببا أساسيا من أسباب خسارتها حيث يجد الرجل الطريق ممهدا ليكون عنصرا ناشطا في الحياة السياسية على عكس المرأة التي يرى غالبية المتساكنين هناك أنها عنصر غير كفؤ وغير جديرة بمثل هكذا مسؤولية فيفضل غالبيتهم التصويت لصالح الرجل.
من أبرز الصعوبات التي تعرضت لها المترشحة محاولة إقناع المواطنين للتنقل معها إلى المعتمدية أو البلدية أو مكتب الهيئة العليا للانتخابات لتزكيتها خصوصا القاطنين منهم في مناطق بعيدة قد تصل حسب قولها إلى 25 كلم. بعد المسافة يعني أن الطرف الذي سيقوم بعملية التزكية سيخسر يوما كاملا أو نصف يوم في التنقل فقط ويضطر لترك عمله أو إلتزاماته الأخرى.
تبدو السعيدي مستاءة من الطريقة التي صيغ بها مرسوم الانتخابات والتي عززت أفضلية الرجل، إذ يجب على المترشح حسب الفصل 21 من المرسوم عدد 55 تقديم قائمة إسمية تضم 400 تزكية من الناخبين المسجلين في الدائرة الانتخابية معرف عليها بإمضاء المزكين ويجب أن يكون نصف هؤلاء من الاناث والنصف الثاني من الذكور على أن لا تقل نسبة الشباب منهم دون سن الخامسة والثلاثين عن 25% ولا يجوز للناخب أن يزكي أكثر من مترشح واحد.
وحسب قولها فإن الرجل قادر على جمع 400 تزكية من داخل ثلاثة مقاهي فقط على عكس المرأة. وتعتبر أن المرسوم كان عائقا آخر دفع بالمرأة إلى العزوف عن ترشيح نفسها بالذات بعد منع التمويل العمومي الأمر الذي زاد من تعقيد المسألة، وهو ما يفسر حسب رأيها نسبة المرأة الضئيلة في المجلس الجديد.
وقد نص الفصل عدد 75 من المرسوم 55 على منع التمويل العمومي والسماح بالتمويل الذاتي والخاص للحملة الانتخابية وفي هذا الصدد فإن التمويل الخاص لحملة المترشح لا يقبل إلا من الأشخاص الطبيعيين وفق سقف معين، وهو ما يعني منع الذوات المعنوية من تمويل الحملة الإنتخابية على غرار الجمعيات والشركات والأحزاب.
سعاد بن عبد الرحيم مترشحة عن دائرة حمام سوسة هي الأخرى لديها العديد من المآخذ حول القانون الانتخابي معتبرة أن الترشح عن طريق أفراد بدل القوائم التي سبق لها أن رسخت مبدأ التناصف والتزمت به في انتخابات 2014 وإلغاء دعم الأحزاب للمترشحين مثل إشكالية كبرى حيث لم تتواجد أي آلية تضمن تواجد نسبة محترمة من النساء، بمعنى أن القانون لم يكن ليفرض تواجد المرأة إذا لم تشارك هي بإرادتها الحرة.
كما نوّهت المترشحة التي لم يسعفها الحظ بالفوز إلى أن صعوبة عملية جمع التزكيات تجعل النساء الراغبات في الترشح يتراجعن عن قرارهن ويشعرن أن وصولهن للكرسي النيابي أمر صعب وشبه مستحيل. مؤكدة أنها هي الأخرى اضطرت للتنقل بصفة مستمرة ومكثفة من شط مريم إلى أكودة التي تبعد عنها 11 كلم لمرافقة السكان الذين وافقوا على تزكيتها، والذين بذلت جهدا كبيرا بإقناعهم في ظل وجود إشكال المواصلات.
وتحدثت عبد الرحيم أيضا عن مسألة منع التمويل العمومي وإلغاء استرجاع المصاريف التي نص عليها الفصل ٧٥ من المرسوم عدد ٥٥ السابق ذكرها، على عكس انتخابات ٢٠١٤ و٢٠١٩ والانتخابات البلدية ٢٠١٨ التي مولت من طرف الأحزاب السياسية، وقد جاءت هذه الخطوة بقرار رئاسي ضبط سقف تمويل الحملة الإنتخابية.
وحسب قولها هذا الأمر يحرم أصحاب الدخل المحدود وحاملي الشهادات العليا المعطلين عن العمل من تمويل حملتهم الانتخابية ومن فرصة المشاركة على عكس أصحاب رؤوس الأموال الذين قد يعتبرونها فرصة لشراء أصوات إنتخابية وإستعمال المال الفاسد. مؤكدة أنها رغم عملها كموظفة فقد وجدت هذا الجانب صعب جدا فما بالك حسب قولها بربّات المنازل أو النساء اللاتي لم يتوظفن بعد ولا يمتلكن مورد رزق.
وقد ذكرت كذلك أن غياب الإعلام التوعوي لأهمية مشاركة المرأة في الإنتخابات والغياب الكلي لدعم الجمعيات النسائية والمجتمع المدني للمترشحات ساهم بشكل واضح في تقلص عددهن وضعفه مؤكدة أنه لا يوجد اختلاف كبير في العقلية ووجهات النظر والأسباب بين المناطق الداخلية والساحلية وحتى تونس العاصمة.
هيفاء الرايس المترشحة عن دائرة القيروان الشمالية أنها تعرضت لهجمة شرسة فور تقديمها لملف ترشحها من طرف مجموعة من الأشخاص عارضوا فكرة تواجدها كامرأة، على عكس زملائها الرجال الذين لم يتعرضوا لحملات من هذا النّوع.
بالرغم من أن هذه المترشحة تعيش في دائرة انتخابية أقل محافظة من بعض المناطق الداخلية الأخرى وتتسم بأنها أكثر انفتاحا، فقد شكك العديد من الناس في مصداقيتها بعد تمكنها من جمع 700 تزكية بالنظر لمحبة الناس لها وحضورها الدائم في دائرة العمل الإجتماعي. وقد حاول البعض حسب ما صرحت به تشويه صورتها أمام الرأي العام فتعرضت للسب والشتم المباشر وغير المباشر من خلال استهدافها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد أكدت الرايس أن العديد من صديقاتها لم يتجرأن على الترشح مثلها، والبعض الآخر رغبن بالترشح لكن عائلاتهن رفضوا الأمر ومنعوهنّ، وذلك خوفا من تعرضهن للعنف والتشهير الذي قد يصل في بعض الأحيان للطعن في شرفهن ومصداقيتهن . فالمرأة التي تشارك في الحياة السياسية، حسب الرايس، وفق عقلية أهالي المنطقة، هي إمرأة متحررة ومتمردة على الصورة النمطية المترسخة في أذهانهم عنها.
خلافا لباقي المترشحات، أعربت الرايس عن اعجابها بالقانون الانتخابي خصوصا بنود الترشح الفردي معتبرة أن خوض المرأة التنافس سابقا ضمن قوائم انتخابية وفرض مبدأ التناصف كان قد عزز تواجدها بشكل صوري فقط لإكمال العدد المطلوب لا غير وأن النساء لم يكنّ فاعلاتٍ في المشهد السياسي.
مقارنة بسابقاتها، تقطن رانيا بن مصطفى الزرعي المترشحة عن ولاية القصرين دائرة تالة حيدرة في منطقة منغلقة اجتماعيا وتعرف بالعروشية والتمييز الجندري. تقول إن العقلية الذكورية مازالت تطغى على الأفراد بصفة خاصة والمجتمع التونسي بصفة عامة، فالجميع بلا إستثناء يعتقدون أن الرجل أولى وأحق من المرأة بأي منصب سياسي. لكن هذا لم يثني عزيمتها أو يمنعها من المحاولة ورغم الخسارة فهي الآن تشعر بالرضا.
ولفتت النظر إلى أن العديد من الناس لم يفهموا لحد الساعة ما معنى وظيفة تشريعية وما هي إختصاصاتها وصلاحياتها ويعانون من إشكالية الخلط بين مهام النائب ومهام المعتمد ورئيس البلدية.
أما بخصوص الإخلال بمبدأ التناصف فترى بأنه ساهم في إلغاء شخصية المرأة وجعل منها ظلا تابعا للرجل، وأن النساء لم يسعفهن الحظ بإقرار أية مبادرات أو إضافات قد تعزز مكانتهنّ ودورهنّ السياسي الأمر الذي جعلها تشعر بالإحباط ولا تنتظر منهنّ الكثير من الإنجازات في المجلس القادم فالمرأة التونسية وخصوصا تلك التي تعيش في الأرياف ومازالت للآن تجد صعوبة في دخول المقهى وإقناع الناس ببرنامجها الإنتخابي ستظل مترددة وخائفة من التجربة مقارنة بغيرها.
الدولة تخلت عن دورها في دعم الديمقراطية ولابد من وقفة نسائية حازمة
وقالت أستاذة القانون العام إكرام الدريدي أن المرسوم عدد 55 لم يبذل جهدا في تشجيع المرأة على الترشح للإنتخابات التشريعية معتبرة أن المرسوم قد جاء ظاهريا تنقيحا للقانون الإنتخابي لكنه في الباطن قانون إنتخابي جديد غير من عدة مبادئ وآليات معمول بها في القانون السابق كطريقة الإقتراع والتقسيم الترابي للدوائر الإنتخابية.
وأشارت أن مبدأ المساواة هو مبدأ كوني دستوري حافظت عليه الدساتير التي عرفتها تونس حيث تم التنصيص عليه في توطئة دستور 1959 ودستور 27 جانفي 2014 وكذلك تحدث عنه دستور 25 جويلية 2022 إلا أن المرسوم عدد 55 جاء مخالفا لمبدأ المساواة في خصوص الترشح بين المرأة والرجل للوصول إلى المجلس النيابي موضحة أن هذا المرسوم لم يقر مبدأ التناصف وأهمله في خصوص الترشح وفي المقابل اشترطه في التزكية مما يعني أنه شكلي مطلوب للتزكية وغير معمول به عند الترشح.
وفقا لدراسة ميدانية، تنوه الأكاديمية، فإن المرأة التي تتمكن من تأمين التزكيات الضرورية إما أن تكون مترشحة عن حزب سياسي يدعمها أو ناشطة في المجتمع المدني. أما المرأة المستقلة التي ترشحت بصفة شخصية فقد صعب عليها ذلك، وهو ما يفسر ضعف المشاركة النسائية وضعف نسبة تمثيلهن في المجلس مقارنة بالرجل. وضمانا لوصول المرأة مناصفة مع الرجل اقترحت محدثتنا الإبقاء على طريقة اقتراع الأفراد مع اعتماد النظام المزدوج رجل وامرأة على قائمات زوجية، وهو نظام معمول به في بعض الدول، ذات المقترح الذي نادى به الاتحاد الوطني للمرأة.
ورفض عدد من النواب السابقين المتواجدين ضمن لجنة التشريعات الإدلاء بتصريحات حول تعديل القانون وتوضيح موقفهم من الإنتخابات الأخيرة.
يقول رضوان الفطناسي عضو الهيئة الإنتخابية الفرعية بالقيروان وناشط بالمجتمع المدني أنه إضافة للإخلالات التي تضمنها القانون بخصوص مبدأ التناصف الذي لم يتم تفعيله، قد لاحظ بأن مشاركة المرأة في التصويت كانت ضعيفة جدا أو منعدمة في بعض المناطق. أثر الامر بالضرورة على النتائج وساهم بشكل مباشر في عدم مرور الكثير من المترشحات من الدور الأول إلى الدور الثاني فالمرأة الناخبة لم تشجع المرأة المنتخبة أو تدعمها لتعزز حظوظها بالحصول على الكرسي النيابي يقول الفطناسي.
في ولاية القيروان على سبيل المثال لا الحصر ومن خلال معاينته أكد على تواجد 5 نساء فقط ضمن 64 مترشحا بقيتهم رجال، والخمس نساء لم تكلل تجربة أي منهن بالفوز.
وتصدرت ولاية سيدي بوزيد ما سواها من حيث عدد المترشحات من النساء ب 11 مترشحة فيما حلت ولايتا تطاوين ومدنين بالمرتبة الأخيرة بمترشحة وحيدة لكل منهما ولم تسجل دوائر الخارج أي مترشحة كما غابت الترشحات من فئة النساء عن 71 دائرة بالداخل.
وأضاف الفطناسي بأن اعتماد نظام الإقتراع على الأفراد في الجهات دون دراسة علمية وسوسيولوجية، في ظل التفاوت الذي تعمق على مستوى الدوائر الإنتخابية قد يؤدي إلى مخاطر وإلى نعرات جهوية وتشتت في إتخاذ القرارات داخل المجلس.
على عكس المرسوم عدد 55، مكن القانون الانتخابي الفارط من حد أدنى لتمثيل المرأة في المجلس النيابي حيث سجلت إنتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 وصول 49 نائبة من مجموع 217 نائبا، كما استطاعت 68 نائبة من العبور في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 وتراجع هذا العدد في الانتخابات الموالية سنة 2019 إلى 51 نائبة.
إرسال التعليق