×

صفوان ميلاد فنان حروفي يزين القباب والجدران بالخط العربي

صفوان ميلاد فنان حروفي يزين القباب والجدران بالخط العربي

ناجح الزغدودي

متسلقا كرسيّا   ومحتضنا معداته وريشاته، وسط ساحة احدى المؤسسات الجامعية بمحافظة القيروان وسط تونس، يرسل الفنان التشكيلي صفوان ميلاد فرشاة الالوان بكل ثقة ومرونة لتضع اخر اللمسات الفنية على لوحته الجدارية المزدانة بالحروف والألوان ثم يقف يتأملها من بعيد مثل والدة تودع طفلها المسافر ويعيد احتضانها من جديد مرات ومرات مضيفا نمنمات دقيقة من حروفه أو مازجا لونا يفيض بالحياة.

هذه الجدارية التي ولدت من انفاس الفنان التشكيلي صفوان ميلاد هي لوحة فنية جديدة تضاف الى أعمال الفنان القيرواني الشاب جامعة فن الخط العربي وبين الفن التشكيلي لينشئ الفن التشكيلي الحروفي.

جمع صفوان ميلاد في هذا الفن بين خلفيته الثقافية والحضارية التي ارتوت من الموروث الحضاري القيرواني وتفاصيل الفن المعماري بأشكاله وزخرفته، من جهة وبين ما نهله من تكوين فني على يد والده الفنان التشكيلي خالد ميلاد.

يبدي الفنان الحروفي حرصه الشديد في حفظ الذاكرة الثقافية العريقة وصون الخط العربي، الذي يمثل هوية حضارية عربية، خاصة الخط الكوفي القيرواني الذي برز خلال القرن 5 هجري 11/ميلادي، ومرجعية عقائدية للفن الاسلامي ومدونة فنية تختزلها مخطوطات الرق الازرق الشهير، وهو مخطوط بماء الذهب بخط كوفي على جلد الغزال، ويحفظه المتحف الاسلامي برقادة بالقيروان كأحد أندر التحف الفنية  وأقدر ثمنا وقيمة تاريخية. 

كما اختار صفوان تجميل الخط العربي بألوان تفيض بالمعاني وتعطي الحروف ايقاعا نابضا بالحياة. وأثمر دمجه المميز للألوان والحروف لوحات فنية تهمس لمشاهدها بأسرار وذكريات وتوقظ فنا كامنا فيه.

يقول صفوان ميلاد لوكالة الاناضول “إن الخط العربي له بعد شكلي حضاري وبعدا جماليا واذا دمج بالالوان فانه يعطي بعدا ثالثا وهو البعد الفني الإبداعي”. ويؤكد أنه “حريص على إحياء موروث الخط العربي الذي يكاد يندثر ويندر استخدامه” مشيرا إلى صلة روحية أيضا وعلاقة شخصية يغوص في معتقده. 

انطلاقا من ورشته التي يتقاسمها مع والده منذ كان طفلا، يرسل صفوان ميلاد لوحات فنية متفاوتة الاحجام والأشكال ومختلفة المحامل. فيروض بريشته الخشب والجلد والخزف والقماش ويحولها من جماد صامت الى لوحة ناطقة تشيع جمال الالوان في المعارض والأروقة.

بعد خوض تجربة المعارض الفنية في عدد من المحافظات في تونس وأيضا خارج البلاد، كبر الطموح الفني مع ذلك الطفل الذي ترعرع في ورشة والده ونهل من تجربه كما تنهل النحلة من رحيق الزهور، وسعى الى الخروج من كل الفضاءات الضيقة الى فضاء ارحب من جمال الحرف واللون.

صفوان امام احدى الجداريات الملونة

يقول صفوان انه “رغب في جعل لوحاته الفنية مفتوحة لعموم الناس في الشوارع والساحات دون قيود الفضاءات المغلقة ومعاليم الدخول وجوازات العبور” وليجعل من كل جدارية معرضا دائما ومتاحا.

مع بدء خوض تجربة الجداريات الفنية التي وشحت جدران مدينة القيروان في أكثر من معلم ومؤسسة شبابية وتعليمية، ملأ الفنان الفراغات بحروفه مشكلا ايقونات فنية تشع وسط معالم تاريخية بارزة فتحاكيها في روحها الفنية وشكلها المعماري الأصيل فيزين بعضها بعضا ويكمل البعض الاخر كأن من صممهم وأبدعهم فنان واحد.

بفضل لمسات صفوان على قباب المدينة العتيقة خاصة القباب المجاورة لجامع عقبة ابن نافع بالقيروان (بني في 50 هجري)، اصبحت القباب المزخرفة بألوان السماء كأنما تسبح في أفق واحد ويتسع أمام المتأمل مع مئذنة جامع عقبة.

عندما انكشف السر الفني لصفوان وشاعت الوانه وحروفه وسط مدينة القيروان وعدة مدن بالشمال والجنوب، انفتحت ريشته على الفضاءات التربوية والجامعية ودور الشباب.

شهد فن الخط العربي، على قيمته الحضارية والفنية، أفولا ملفتا وتناسيا من عمال المبدعين في ظل الزخم التكنولوجي والميول الفنية العصرية ويكاد يتلاشى أمام خط الاجهزة الالكترونية والتراسل الرقمي.

وسط منافسة حرجة ورغم تداعيات الازمة الوبائية العالمية، استطاع صفوان ميلاد بفضل ما وجده من دعم على ترويج ذوقه الفني المفعم بتجديد التراث العتيق في اوساط الشباب من الطلاب وهواة الفنون وحفزهم على المساهمة بدورهم في ترجمة شغفهم وعنفوانهم الفني في لوحات جدراية تزين الفضاءات الشبابية تماما كما أراد صفوان وطمح الى ان يستلم الشبان عنه مشعل تطوير فنه والمساهمة فيه بدورهم كما طور هو ما كسب عن والده من فنون وأضفى عليه ذائقته وبصمته الفنية.

لا يقتصر طموح صفوان في تمرير رسالته الفنية على الفضاء المحلي، وانما “يجتهد على مواصلة نشر ثقافة الخط العربي وفنونه في العالم مواصلة لما بدأه منذ سنوات من مشاركات اوروبية” حسب قوله. ويأمل ان لا تدوم حواجز ازمة الكورونا المستجدة ويتمكن من تبليغ رسالته الحضارية المتجددة.

إرسال التعليق