
الأستاذ علاء الدين مسعودي
مستندين إلى واقع إقتصادي صعب ووضع معيشي أصعب إضافة إلى فشل النظام البرلماني في التناغم مع مؤسسات رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة سياسيا وهيكليا من ناحية التنسيق والتسيير الجماعي والتناسق ذهب البعض لوضع الديمقراطية بين معقفين بتعلة أن شعبنا ليس جاهزا فكريا ومؤسساتيا للممارسة الديمقراطية ولحكم ديمقراطي الأمر الذي عجل حنين البعض لنظام حكم فردي تقايض فيه الحرية بالتنمية وبالإستقرار… ولعمري تبقى ديمقراطية عرجاء وتتحسس الخطى أفضل بكثير من حكم إستبدادي تعسفي. ومن هنا طرح الإستفتاء كشر لا بد منه بعد أن شارك الجميع سلفا في دستور 2014 سواء بالصياغة أو الإستشارة أو التعديل والض
نظريا يعتبر الإستفتاء شكلا راقيا من أشكال تشريك الشعب في مسائل تخصه مباشرة.. ولعمري ماهو إلا مظهر من مظاهر ممارسة الديمقراطية والعودة إلى الصندوق.. كان يمكن أن يكون هذا لو كنا في وضع عادي بينما الحال إستثنائي بحت وطال أمده كثيرا.. أضف إلى ذلك المحتوى أو المضمون…حول ماذا يكون الإستفتاء !!! حول الإنطلاق في خطوة ما أو حول خطوة مكتملة تنتظر المصادقة!! منطق الأشياء أن يكون الإستفتاء حول تغيير الدستور من عدمه قبل الإنطلاق في تغييره أصلا!! بالنسبة للدستور سأكرر سؤالا جوهريا ألا وهو هل فعلا طالب أغلبية الشعب بتغييره !!! وهل يعتبر تغييره أولوية قصوى في ظل وضع إقتصادي وسياسي متأزم..!!! وهل بتلك الطريقة والٱليات والمشاركة نكتب دستورا لتونس الجديدة!!! في النهاية هي تقديرات لموقف وأوجه نظر تحكمها خلفيات وأهداف خفية وأخرى معلنة… بعد قراءتي لنصوص الدستور المقترح بدءا بالتوطئة لاحظت ما يلي : الإشارة للإستشارة وإعتبارها كمرجعا يعطي مشروعية لنصوص الدستور المقترح والحال أنها كانت إستشارة ضعيفة كما وكيفا بإعتراف الساهرين عليها أنفسهم الذين أكدوا نسبة مشاركة ضعيفة وبالتالي لا تمثل أغلبية الشعب التونسي…كما أن محتواها حاد أحيانا عن حاجة التونسي سياسيا وإقتصاديا.. شدتني كذلك عبارة ” نتائج الحوار الوطني” ثم ” لا ينفرد أحد بالرأي أو تستبد أي جهة بالإختيار” والحال أنه مع الأسف كان حوارا ضيقا وعلى المقاس ومع أطراف في تناغم مع المشروع المقترح وأهدافه وفيه إقصاء تام لأصوات العقل والحكمة بل بعض من شارك فيه تبرأ في ما بعد من مخرجاته ونتائجه…وبالتالي لا يمثل أغلبية الشعب مرة أخرى. التوطئة طرحت كذلك مسألة ” التخلص من الهيمنة الأجنبية” بشكل متناقض يبعث على الضحك أحيانا..فتارة تقر الكلمات بالتبعية وطورا تقر بعكسها. تناقض عبرت عنه كذلك طريقة الصياغة وإختيار المفردات.. ” من اليأس والإحباط إلى العمل والأمل والرجاء” لكأننا ندور في حلقة مفرغة من اليأس إلى الرجاء وعادة المفردة الأخيرة تحيل على إستحالة التحقق والتمني… أضف إلى ذلك المرور المضحك من “نقر” ثم “نرتضي” ولعمري يعكس وضعا غير طبيعيا فالإقرار أقوى درجة من الرضى.. خلاصة التوطئة إفتقارها للتأكيد على حاجة البلاد لديمقراطية سياسية تتبعها ديمقراطية إجتماعية وإقتصادية… التوطئة لم توضح كذلك تفاصيل الإختيار الحر والمسائلة والرقابة وحتى كيفية التوزيع العادل للثروات.
بالنسبة للفصول شدتني بعضها إما في طريقة الصياغة وإما في محتواها ودلالاته. فالفصل الأول مثلا يقر بالإستقلالية والسيادة والحال أنه لا يتناغم مع بعض التلميحات في التوطئة وفي فصول أخرى بإعتبار السيادة غاية وهدف من أهداف هذا الدستور . شدني أيضا الفصل الخامس بعبارته ” مقاصد الإسلام الحنيف” وهي تحمل في طياتها تأجيل لكلمة الإسلام فالمفروض ورودها في الفصل الأول أو الثاني…كما أن العبارة إشكالية إذ أنه لا يوجد إتفاق فكري أو قانوني حول مقاصد الإسلام في حد ذاتها…فما يهمنا شعب أغلبيته مسلمة جوهر الإسلام في حد ذاته ولا مقاصده وهنا مراوغة كبرى…أضف إلى ذلك ” عبارة الدولة وحدها”لقائل أن يقول كيف وعبر أية مؤسسات وٱليات و هنا تبدو المقاربة اللائكية جلية بل مسقطة.. الفصل التاسع بدوره تناسى عبارة الكرامة ليكتفي بالحرية والنظام والعدالة والحال أن الغاية واحدة وهي العيش الكريم. أما بالنسبة لعبارة طغراء على صحتها فكان بإلإمكان تعويضها بعبارة شعار أو غيرها تجنبا لأي تداخل مرجعي. الفصل الخامس عشر أيضا يحمل تناقضا رهيبا بجمعه عبارة واجب وعبارتي العدل والانصاف .فالمفروض أن لا يقترن العدل بالجبر والفرض
الفصل السادس عشر مع الأسف مكرر وتكرارا لنفس الفكرة. أما بالنسبة للفصل السابع عشر الممهد لنظام مجالسي مزدوج مجلس نواب الشعب ومجلس الأقاليم والجهات فهو يناقض مايطرحه من نظام رئاسي يجمع السلطات ويعيدنا إلى التشتت مجددا. الفصل الثامن عشر لئن أكد على حق الشغل والعمل فإنه لم يبين الكيفية ويرفع مجددا شعار الدولة الراعية الفصل السادس والعشرون أقر بحرية الفرد والحال أنها حقوق طبيعية كان بإلإمكان أن تبوب منذ البداية . الفصل الأربعون كان ممكن تلخيصه في عبارة ميثاق أخلاقي .
الفصل التاسع والستون يعيدنا مجددا إلى التناقض لغة ومحتوى بتقييده للمقترحات من جهة الحق في المقترح ومن جهة أن لا تكون مقبولة إذا تسببت في إخلال التوازنات المالية للدولة …فما فائدة مقترح لا يعدل أو يغير جذريا وهنا تتخفى الديمقراطية الشكلية. الفصل المائة وهو أخطر فصل في النص المقترح لأنه يمهد لصلاحيات مطلقة للرئيس الذي يكتفي بمجرد إعلام البقية ولقائل أن يقول من يحاسب الرئيس ومن يراقبه.
وإذا كان الرئيس الحالي نزيها وصادقا مالذي يضمن بعده صفات مماثلة في من سيخلفه!!! الفصل مائة وثلاث وأربعون سكت عن تركيبة هيئة الإنتخابات ومسألة تعيينها ومراقبتها وإنتخابها بالنسبة للفصل المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية فسكت أيضا عن تركيبته ومهامه بل جعل منه هيكلا إستشاريا لإبداء الرأي عوض أن يكون تقريريا محددا للسياسات والهياكل وغيرها.
أخيرا أثمن الفصل المائة وستة وثلاثون ومنعه لزيادة مدة الرئاسة.
الخلاصة هذا الدستور عمل بشري لا يخلو من الشوائب لكن مع الأسف لا يؤسس لحكم تشاركي ديمقراطي بل يجمع السلطات بيد الرئيس بقطع النظر عن الشخص دون وضع حدود دنيا للمحاسبة والمراقبة ويجعل مهمة التعديل شبه مستحيلة بل مهمة المعارضة السياسية مستحيلة بتركيبة المجلسين . تونس تستحق الأفضل بكثير هذه قناعتي . مرة أخرى سقوط في القضايا الخطأ ويبقى قضاء عادل خير من ألف دستور… ما يهمنا الممارسة أما النصوص فبين التاريخ أنها إستقرت في الرفوف نصيحتي للشعب التونسي إقرؤا نصوص الدستور جيدا وبعقل بعيدا عن كل المؤثرات الخارجية والقيل والقال …لا تجعلوا أحدا يختار مكانكم…لا تقاطعو